يعلم أنه حق فهو من أهل النار، ورجل قضى بالجور وهو يعلم أنه جور فهو في النار، ورجل قضى بالحق وهو يعلم أنه حق فهو في الجنة. وهذا صريح بوقوف الحكم على العلم ووجوبه واستحقاق الحاكم به الثواب، وفساده من دونه واستحقاق الحاكم من دونه النار.
وقد تجاوز التحريم الحكم بالجور والتحاكم إلى حكامه إلى تحريم مجالسة أهله.
فروي عن محمد بن مسلم الثقفي أنه قال: مر بي أبو جعفر ع أو أبو عبد الله ع وأنا جالس عند قاضي المدينة، فدخلت عليه من الغد فقال لي: ما مجلس رأيتك فيه أمس؟ فقلت: جعلت فداك إن هذا القاضي لي مكرم فربما جلست إليه، فقال ع لي: وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعم من في المجلس.
لفظ الحديث ومعناه مطابق لما تقرر الشرع به من وجوب إنكار المنكر وقبح الرضا به، والحكم بالجور من أعظم المنكرات، فمجالس الحكام به لغير الانكار والتقية راض بما يجب إنكاره من الجور واستحقاق اللعنة معا، وإذا كانت هذه حال الجليس فحال الحاكم بالجور ومقلده النظر والتحاكم إليه والأخذ بحكمه أغلظ لارتفاع الريب في رضا هؤلاء بالقبيح.
الفصل الثاني من تنفيذ الأحكام:
لا يصح الحكم إيجابا ولا حظرا ولا تمليكا ولا منعا ولا إلزاما ولا اسقاطا ولا إمضاءا ولا فسخا إلا عن علم بما يقتضي ذلك أو إقرار المدعى عليه أو ثبوت البينة بالدعوى أو يمين المدعى عليه أو المدعي دون ما عدا ذلك، ولكل حكم.
فصل في العلم بما يقتضي الحكم:
علم الحاكم بما يقتضي تنفيذ الحكم كاف في صحته ومغن عن إقرار وبينة ويمين سواء علم ذلك في حال تقلد الحكم أو قبلها، لسكون نفس الحاكم العالم إلى ما علمه في حال حكمه بمقتضاه سواء كان علمه حادثا في حال أو باقيا إليها أو متولدا عن أمثاله