اجتمعتا كانتا بمنزلة الذكر، والمعنى إن لم يحضر رجلان من الشهداء الذين خبرت أحوالهم، فحمدت أفعالهم بالكف عن البطن والفرج واليد واللسان واجتناب شرب الخمر والزنى والربا وعقوق الوالدين وغير ذلك، يسترون عيوبهم ويتعاهدون الصلوات الخمس ويتوفرون على حضور جماعة المسلمين غير متخلفين عنهم إلا لمرض أو علة أو عذر.
يستشهد رجل وامرأتان من الشهداء الذين وصفناهم لكي إن نسيت إحدى المرأتين ذكرتها الأخرى ولم يوجب هذا الحكم في الرجال لأنهم من النسيان أبعد وإلى التحفظ والتيقظ أقرب.
ويمكن أن يقال في " أن تضل إحديهما ": أن المراد أن تنسي إحدى البينتين تذكرها شهادة الأخرى فيكون الكلام عاما في الرجال والنساء، وهذا صحيح لأنه لا يجوز أن يقيم الانسان شهادة إلا على ما يعلم ولا يعول على ما يجد به خطه، فإن وجد خطه مكتوبا ولم يذكر الشهادة لم يجز له إقامتها، فإن لم يذكر هو ويشهد معه آخر ثقة جاز له حينئذ إقامة الشهادة. ويعتبر في شهادة النساء الإيمان والستر والعفاف وطاعة الأزواج وترك البذاء والتبرج إلى أندية الرجال.
باب ذكر ما يلزم الشهود:
ولما ذكر الله تعالى ما يلزم المستشهد من الواجبات والمندوبات ذكر بعده ما يلزم الشهداء فقال: ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا، ليقيموا الشهادة فعلى هذا يكون إشارة إلى أنه متى دعي الانسان لإقامة شهادة لم يجز له الامتناع منها على حال إلا إذا علم أن من عليه الدين معسر فإن شهد عليه حبسه الحاكم فاستضر هو به وعياله. وقيل: لا يأب الشهداء إذا ما دعوا ليستشهدوا. وإنما قال لهم شهداء قبل التحمل تنزيلا لما يشارف منزلة الكائن، وقد أشار سبحانه بهذا إلى أنه لا يجوز أن يمتنع الانسان من الشهادة إذا دعي إليها ليشهد بها إذا كان من أهلها إلا أن يكون حضوره مضرا بشئ من أمر الدين أو بأحد من المسلمين.
وعن قتادة: كان الرجل يطوف بين خلق كثير فلا يكتب له أحد، فنزل: ولا