الفصل الثالث: في مستند علم الشاهد:
وضابطه العلم القطعي، ومستنده:
أما المشاهدة وذلك في الأفعال كالغصب والسرقة والقتل والرضاع والولادة والزنى واللواط. ويقبل فيه شهادة الأصم لانتفاء الحاجة إلى السمع فيها، وروي: أنه يؤخذ بأول قوله.
وأما السماع والأبصار معا وذلك في الإقرار كالعقود مثل النكاح والبيع والصلح والإجارة وغيرها فإنه لا بد من البصر لمعرفة المتعاقدين ومن السماع لفهم اللفظ.
ولا يقبل شهادة الأعمى بالعقد إلا أن يعرف الصوت قطعا على رأي أو يعرف المتعاقدين عنده عدلان أو يشهد على المقبوض ويقبل شهادته فرعا وترجمة لحاضر عند الحاكم، ولو تحمل الشهادة بصيرا ثم عمي وعرف نسب المشهود عليه أو عرفه عنده عدلان أقام الشهادة وإن شهد على العين وعرف الصوت ضرورة جاز أن يشهد أيضا، والقاضي إذا عمي بعد سماع البينة قضى بها، ومن لا يعرف نسبه لا بد من الشهادة على عينه فإن مات أحضر مجلس الحكم فإن دفن لم ينبش وتعذرت الشهادة.
ولا يشهد على المرأة إلا أن يعرف صوتها قطعا أو تسفر عن وجهها ويميزها عند الأداء بالإشارة ويجوز النظر إليها لتحمل الشهادة، وإذا قامت البينة على عينها وزعمت أنها بنت زيد لم يسجل القاضي على بنت زيد إلا أن تقوم البينة بالنسب.
وأما السماع خاصة وذلك فيما يثبت بالاستفاضة وهو النسب والموت والملك المطلق والنكاح والوقف والعتق وولاية القاضي ويشترط فيه توالي الأخبار من جماعة يغلب على الظن صدقهم أو يشتهر اشتهارا يتآخم العلم على إشكال، قيل: لو شهد عدلان فصاعدا صار السامع متحملا وشاهد أصل لا فرعا على شهادتهما، والأقوى أنه لا بد من جماعة لا تجمعهم رابطة التواطؤ. ولو سمعه يقول: هذا ابني، عن الكبير مع سكوته، أو هذا أبي، قيل: صار متحملا لاستناد السكوت إلى الرضا. وشاهد الاستفاضة لا يشهد بالسبب كالبيع في الملك إلا في الميراث ولا يفتقر شاهد الاستفاضة بالملك إلى مشاهدة التصرف باليد ويرجح ذو اليد على شهادة الاستفاضة.