فصل:
وقد مست الحاجة ههنا وفي مواضع كثيرة من كتابنا هذا إلى أن نفرق بين العموم والمجمل لتتمشى تلك الاستدلالات التي أوردناها:
اعلم أن الفرق بين العموم والمجمل: هو أن كل لفظ فعل لأجل ما أريد به فهو عموم، وكل لفظ فعل لأجل ما أريد به وما لم يرد فهو المجمل.
مثال الأول: قوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، فلو خلينا وتلك الآية لقتلنا اليهودي والنصراني مثل الوثني وكل من تناوله هذا الاسم وكنا فاعلين بموجب اللفظ وهو العموم.
وأما مثال الثاني: فهو قوله تعالى: أقيموا الصلاة، فلو فعلنا كل صلاة لكنا فاعلين ما لم يرد منا، وكذلك قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة، فإنه لا يجب أن يؤخذ كل صدقة بل صدقة مخصوصة.
وعن داود بن الحصين قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول: أقيموا الشهادة على الوالد والولد ولا تقيموها على الأخ في الدين للصبر، قلت: وما الصبر؟ قال: إذا تعدى فيه صاحب الحق الذي يدعيه قبله خلاف ما أمر الله به ورسوله. ومثال ذلك:
أن يكون لأحد على آخر دين وهو معسر وقد أمر الله بإنظاره حتى ييسر قال تعالى: فنظرة إلى ميسرة، ويسألك أن تقيم الشهادة له وأنت تعرفه بالعسر فلا يحل لك أن تقيم الشهادة في حال العسر، وقال: لا تشهد بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك.
وكلام الشيخ أبي جعفر الطوسي رضي الله عنه: أن شهادة الولد لوالده جائزة ولا تجوز عليه، فدليله الحديث النبوي الذي رواه المعصومون من أهل بيته فهو بيان لما أجمله الله في كتابه ويخصص به كثير من عموم القرآن.
وأما الآية التي يرى أنها دالة على خلاف هذا وهي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين، فهي وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، فالخطاب للولاة أي كونوا قوامين لأجل طاعة الله بالعدل