مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٩
لأن العفو مستحب، فقد رغب الشارع فيه. قال الله تعالى * (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) * وروى البيهقي وغيره عن أنس: أن النبي (ص) كان ما رفع إليه قصاص قط إلا أمر فيه بالعفو (وعلى الأول) وهو أن موجب العمد القود (لو أطلق) الولي (العفو) عن القود ولم يتعرض للدية بنفي أو إثبات (فالمذهب لا دية) لأن القتل لم يوجب الدية على هذا القول، والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم. والثاني تجب لقوله تعالى * (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف) * أي اتباع المال وذلك يشعر بوجوبه بالعفو، وأجاب الأول بحمل الآية على ما إذا عفا على الدية. فإن قيل: ما الفرق بين عبارة المصنف وعبارة الروضة، وهي لو عفا عن القود مطلقا إلخ؟ أجيب بأن الفرق بينهما أن هذه قيدت العفو بالاطلاق بخلاف عبارة المصنف فإنها تقتضيه لا بقيد فهي أعم.
تنبيه: محل الخلاف ما إذا أمكن ثبوت المال، فإن لم يمكن كأن قتل أحد عبدي شخص عبده الآخر فللسيد أن يقتص وأن يعفو ولا يثبت له على عبده مال، فإن أعتقه لم يسقط القصاص، فإن عفا السيد بعد العتق مطلقا لم يثبت المال جزما، أو على مال ثبت كما في الروضة وأصلها آخر الباب. ونفي المصنف الدية قد يفهم أنه لو اختار الدية عقب عفوه المطلق لم تجب، والمنقول عن ابن كج وجوبها ويكون اختيارها بعد العفو تنزيلا له منزلة العفو عليها بخلاف ما إذا تراخى اختياره لها عن العفو فلا تجب خلافا لما نقل عن بعض الأصحاب، ولم يفرع المصنف على القول المرجوح لطوله وعدم العمل به. (ولو عفا) الولي على القول الأول (عن الدية لغا) عفوه لأنه عفا عما ليس مستحقا له (وله العفو) عن القصاص (بعده عليها) وإن تراخى لأن اللاغي كالمعدوم (ولو عفا) على القولين عن القود (على غير جنس الدية) أو صالح غيره عليه (ثبت) ذلك الغير أو المصالح عليه، وإن كان أكثر من الدية (إن قبل الجاني) أو المصالح ذلك وسقط عنه القصاص (وإلا) بأن لم يقبل الجاني أو المصالح ذلك (فلا) يثبت لأنه اعتياض فاشترط رضاهما كعوض الخلع (ولا يسقط) عنه (القود في الأصح) لأنه رضي به على عوض ولم يحصل له، وليس كالصلح على عوض فاسد لأن الجاني هناك قبل والتزم. والثاني يسقط لرضاه بالصلح عنه، وعلى هذا هل تثبت الدية؟ قال البغوي: هو كما لو عفا مطلقا وأقراه.
تنبيه: لو عفا عن القود على نصف الدية، قال القاضي حسين: هذه معضلة أسهرت الجلة اه‍. والجلة - بكسر الجيم وتشديد اللام - الطاعنون في السن قاله الجوهري. وقال غير القاضي: هو كعفو عن القود ونصف الدية، كذا قاله الشيخان. قال في المهمات: وما نقلاه عن غير القاضي صرح به القاضي أيضا فيسقط القود ونصف الدية. (وليس لمحجور فلس) أو نحوه كوارث المديون استحق قصاصا (عفو عن مال إن أوجبنا أحدهما) لا بعينه لأنه ممنوع من التبرع به (وإلا) بأن أوجبنا القود عينا (فإن عفا) من ذكر عنه (على الدية ثبتت) قطعا كغيره (وإن أطلق) العفو (فكما سبق ) من أن المذهب لا دية (وإن عفا) من ذكر (على أن لا مال) أصلا (فالمذهب أنه لا يجب شئ) لأن القتل لم يوجب المال، ولو كلفنا المفلس أن يعفو على مال كان ذلك تكليفا بأن يكتسب وليس عليه الاكتساب، وقيل تجب الدية بناء على أن إطلاق العفو يوجبها.
تنبيه: جرى المصنف هنا على طريقة الخلاف، لكنه في باب التفليس جزم بالصحة، سواء أكان على مال أم لا، حيث قال فيه: ويصح اقتصاصه وإسقاطه، واحترز بمحجور عن المفلس قبل الحجر عليه فإنه كموسر، وبمفلس عن المحجور عليه بسلب عبارته كصبي ومجنون فعفوهما لغو (والمبذر) بمعجمة، حكمه بعد الحجر عليه بالتبذير في
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548