مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٩١
فتنزع عنه مراعاة لمقصود الحد، ويترك على المرأة ما يسترها، وتشد عليها ثيابها، ويتولى ذلك منها امرأة أو محرم، ويكون بقربها إن تكشفت سترها. وأما الجلد فيتولاه الرجال، لأن الجلد ليس من شأن النساء، والخنثى كالمرأة فيما ذكر، ولكن لا يختص بشد ثيابه المرأة ونحوها، ويحتمل كما قاله شيخنا تعين المحرم ونحوه، وإن كان المحدود من ذوي الهيئات ضرب كما قاله الماوردي في الخلوات، وإلا ففي الملا، ولا يحد ولا يعزر في المسجد لخبر أبي داود وغيره:
لا تقام الحدود في المساجد ولاحتمال أن يتلوث من جراحة تحدث، فإن فعل أجزأه كالصلاة في أرض مغصوبة، كذا قالاه هنا، وقضيته تحريم ذلك وبه جزم البندنيجي، لكن الذي كراه في باب القضاء أنه لا يجرم، بل يكره، ونص عليه في الام، نبه عليه الأسنوي وهو الظاهر (ويوالي الضرب عليه بحيث يحصل زجر وتنكيل) فلا يجوز أن يفرق على الأيام والساعات لعدم الايلام المقصود في الحد، بخلاف ما لو حلف ليضربنه مائة سوط فإنه يبرأ إذا فرقها على الأيام والساعات، لأن مستند الايمان إلى الاسم، وهنا التنكيل والزجر ولم يحصل، ولو جلد للزنا خمسين ولاء وفي غده كذلك أجزأ.
تنبيه: لم يضبط التفريق الجائز وغيره. قال الإمام: إن لم يحصل في كل دفعة ألم له وقع كسوط أو سوطين في كل يوم فهذا ليس بحد، وإن آلم وأثر بما له وقع، فإن لم يتخلل زمن يزول فيه الألم الأولى كفى، وإن تخلل لم يكف على الأصح، ثم عقب المصنف رحمه الله تعالى الجنايات السبع الموجبة للحد بالتعزير، وترجم له بفصل فقال:
فصل: في التعزير، وهو لغة: التأديب. وأصله من العزر، وهو المنع، ومنه قوله تعالى * (وتعزروه) * أي تدفعوا العدو عنه وتمنعوه، ويخالف الحد من ثلاثة أوجه. أحدها: أنه يختلف باختلاف الناس، فتعزير ذوي الهيئات أخف ويستوون في الحد. والثاني تجوز الشفاعة فيه والعفو بل يستحبان. والثالث التألق به مضمون في الأصح خلافا لأبي حنيفة ومالك. وشرعا: لتأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة كما نبه على ذلك بقوله: (يعزر في كل معصية لا حد لها ولا كفارة) سواء أكانت حقا لله تعالى أم لآدمي، وسواء أكانت من مقدمات ما فيه حد كمباشرة أجنبية في غير الفرج، وسرقة ما لا قطع فيه، والسب بما ليس بقذف أم لا كالتزوير وشهادة الزور والضرب بغير حق ونشوز المرأة ومنع الزوج حقها مع القدرة. والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى * (واللاتي تخافون نشوزهن) * الآية.
فأباح الضرب عند المخالفة فكان فيه تنبيه على التعزير، وقوله (ص) في سرقة التمر: إذا كان دون نصاب غرم مثله وجلدات نكال رواه أبو داود، والنسائي بمعناه. وروى البيهقي أن عليا رضي الله تعالى عنه سئل عمن قال لرجل: يا فاسق يا خبيث، فقال: يعزر.
تنبيه: اقتضى كلام المصنف ثلاثة أمور. الأمر الأول: تعزير ذي المعصية التي لا حد فيها ولا كفارة، ويستثنى منه مسائل. الأولى: إذا صدر من ولي لله تعالى صغيرة فإنه لا يعزر كما قاله ابن عبد السلام. قال: وقد جهل أكثر الناس فزعموا أن الولاية تسقط بالصغيرة، ويشهد لذلك حديث أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود رواه أبو داود، قال الإمام الشافعي رحمه الله: والمراد بذوي الهيئات الذين لا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة، ولم يعلقه بالأولياء، لأن ذلك لا يطلع عليه. فإن قيل: قد عزر عمر رضي الله تعالى عنه غير واحد من مشاهير الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهم رؤوس الأولياء وسادة الأمة ولم ينكره أحد؟ أجيب بأن ذلك تكرر منه، والكلام هنا في أول زلة زلها مطيع. الثانية: إذا قطع شخص أطراف نفسه. الثالثة إذا وطئ زوجته أو أمته في دبرها فلا يعزر بأول مرة، بل ينهى عن العود، فإن عاد عزر، نص عليه في المختصر، وصرح به البغوي وغيره. الرابعة: الأصل لا يعزر لحق الفرع كما لا يجد بقذفه. الخامسة: إذا رأى من يزني بزوجته وهو محصن فقتله في تلك الحالة فلا تعزير عليه. وإن اقتات على الإمام لأجل الحمية، حكاه ابن الرفعة عن أبي داود. السادسة: إذا دخل واحد من أهل القرى إلى الحمى الذي حماه
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548