مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٢٣٦
بيعه، والله أعلم) إذ لم ينكره أحد، ولهذا لا يؤخذ عليها خراج. ولان وقفها يفضي إلى حرابها. نعم إن كانت آلتها من أجزاء الأرض الموقوفة لم يجز بيعها كما قاله الأذرعي تفقها، وعليه يحمل ما قاله البلقيني عن النص، وقطع به من أن الموجود من الدور حال الفتح وقف لا يجوز بيعه والثاني المنع كالزارع.
تنبيه: لو رأى الإمام اليوم أن يقف أرض الغنيمة كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه أو عقاراتها أو منقولاتها جاز إن رضي الغانمون بذلك كنظيره فيما مر عن عمر رضي الله تعالى عنه، لا قهرا عليهم، وإن خشي أنها تشغلهم عن الجهاد لأنها ملكهم لكن يقهرهم على الخروج إلى الجهاد بحسب الحاجة، ولا يرد شئ من الغنيمة إلى الكفار إلا برضا الغانمين لأنهم ملكوا أن يتملكوها. (وفتحت مكة صلحا) لا عنوة. لقوله تعالى: * (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الادبار) * الآية يعني أهل مكة، وقوله تعالى: * (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة) * وقوله تعالى: * (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه) * إلى قوله: * (وأخرى لم تقدروا عليها) * أي بالقهر، قيل التي عجلها لهم غنائم حنين، والتي لم يقدروا عليها غنائم مكة، ومن قال فتحت عنوة، معناه أنه دخل مستعدا للقتال لو قوتل. قال الغزالي: (فدورها وأرضها المحياة ملك يباع) إذ لم يزل الناس يتبايعونها، ولقوله (ص) لما قال له أسامة بن زيد: يا رسول الله أتنزل غدا بدارك بمكة؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور وكان عقيل ورث أبا طالب، وطلب دور علي وجعفر لأنهما كانا مسلمين، ولا يورث إلا ما كان الميت مالكا له، ومنع أبو حنيفة من بيعها. قال الروياني: ويكره بيعها وإجارتها للخروج من الخلاف ونازعه المصنف في مجموعه، وقال إنه خلاف الأولى لأنه لم يرد فيه نهي مقصود، والأول كما قال الزركشي هو المنصوص، بل اعترض على المصنف فإنه صرح بكراهة بيع المصحف والشطرنج ولم يرد فيهما نهي مقصود.
تنبيه: محل الخلاف بين العلماء في بيع نفس الأرض، أما البناء فهو مملوك يجوز بيعه بلا خلاف أي إذا لم يكن من أجزاء أرضها كما يؤخذ مما مر في بناء السواد، وتعبير المصنف بالفاء يقتضي ترتب كونها ملكا على الصلح وليس مرادا، بل مقتضى الصلح أنها وقف لأنها فئ وهو وقف: إما بنفس حصوله وإما بإيقافه، ومقتضى تعبيره أنها على العنوة لا تباع، وليس مرادا أيضا لأن المفتوح عنوة غنيمة مخمسة، بل الأولى أن يقال كما قاله بعض المتأخرين أنه (ص) أقر الدور بيد أهلها على الملك الذي كانوا عليه ولا نظر في ذلك إلى أنها فتحت صلحا أو عنوة.
تتمة: الصحيح أن مصر فتحت عنوة، وممن نص عليه مالك في المدونة وأبو عبيد والطحاوي وغيرهم، وأن عمر رضي الله تعالى عنه وضع على أراضيهم الخراج، وفي وصية الشافعي في الام ما يقتضى أنها فتحت صلحا، وكان الليث يحدث عن زيد بن حبيب أنها فتحت صلحا. وقيل: فتحت صلحا ثم نكثوا ففتحها عمر رضي الله تعالى عنه ثانيا عنوة، ويمكن حمل الخلاف على هذا، فمن قال فتحت صلحا نظر لأول الامر، ومن قال عنوة نظر لآخر الامر، وأما الشام فنقل الرافعي عن الروياني: أن مدتها فتحت صلحا وأرضها عنوة، ولكن رجع السبكي أن دمشق فتحت عنوة.
فصل: في الأمان، وهو ضد الخوف وأريد به هنا ترك القتل والقتال مع الكفار، وهو من مكايد الحرب ومصالحه والعقود التي تفيدهم إلا من ثلاثة: أمان وجزية وهدنة لأنه إن تعلق بمحصور فالأمان، أو بغير محصور فإن كان إلى غاية فالهدنة وإلا فالجزية وهما مختصان بالإمام بخلاف الأمان. والأصل في الأمان آية * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) * وخبر الصحيحين: ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما - أي نقض عهده - فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين والذمة العهد والأمان والحرمة والحق، وأما الذمة في قولهم:
ثبت المال في ذمته وبرئت ذمته فلها معنى آخر مر بيانه في البيع. (يصح) ولا يجب (من كل مسلم مكلف مختار)
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548