مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٥٢
القاضي رد الشهادة به لأنه قد يتغير اجتهاده. وقضية التعليل عدم اللزوم إذا كان القاضي مقلدا من يفسق بذلك، وهو كما قال شيخنا ظاهر. فإن قيل: قد يمتنع بأنه يجوز أن يقلد غير مقلده. أجيب بأن اعتبار مثل هذا الجواز بعيد. وهل يجوز للعدل أن يشهد ببيع عند من يرى إثبات الشفعة للجار وهو لا يراه أو لا؟ وجهان، أفقههما كما قال شيخنا الجواز، والبيع مثال، والضابط أن يشهد بما يعلم أن القاضي يرتب عليه ما لا يعتقده.
فروع: لو كان مع المجمع على فسقه عدل لم يلزمه الأداء إلا فيما يثبت بشاهد ويمين، إذ لا فائدة فيه فيما عداه.
ولو امتنع الشاهد من الأداء حياء من المشهود عليه أو غيره عصى وردت شهادته إلى أن تصح توبته. ولو قال المدعي للقاضي شاهدي ممتنع من أداء الشهادة لي عنادا فأحضره ليشهد لم يجبه إلى ذلك، لأنه لو شهد لم تقبل شهادته له، لأنه فاسق بالامتناع بزعمه بخلاف ما لم يقل عنادا، لاحتمال أن يكون امتناعه لعذر شرعي. (و) الشرط الثالث (أن لا يكون) المدعو (معذور بمرض ونحوه) كخوفه على ماله، أو تعطل كسبه في ذلك الوقت إلا إن بذل له قدر كسبه، أو طلبه في حر أو برد شديد، وكتخدير المرأة، وكذا كل عذر يسقط عنه به الجمعة، (فإن كان) المدعو معذورا لم يلزمه الأداء، (وأشهد على شهادته) غيره (أو بعث القاضي) إليه (من يسمعها) دفعا للمشقة عنه تنبيه: قضية حصره الشروط الثلاثة المذكورة عدم اشتراط كون المدعو إليه قاضيا وعدم كونه أهلا للقضاء، وهو كذلك، فلو دعي إلى أمير أو نحوه كوزير وعلم حصول الحق به وجب عليه الأداء عنده كما في زيادة الروضة.
وينبغي كما في التوضيح حمله على ما إذا علم أن الحق لا يخلص إلا عنده، وإليه يرشد قولهم: إذا علم أنه يصل به للحق فقول المصنف في باب القضاء على الغائب أن منصب سماع البينة مختص بالقضاء، هو يقتضي أنه لا يجب في غير القاضي محمول على غير هذا. ويجب عليه الأداء أيضا إذا دعي إلى قاض جائر، أو امتنعت في الشهادة على الأصح في زيادة الروضة. ومن شروط الوجوب أن لا يكون في حد لله تعالى، فإن كان، قال المصنف: إن رأى المصلحة في الشهادة شهدوا وإلا فلا، إلا إن ترتب على تركها حد على غير الشاهد مثل أن لا يكمل النصاب إلا به فإنه يجب عليه الأداء كما قاله الماوردي. قال ابن سراقة: وربما أثم الشاهد بالأداء، مثل أن يشهد على مسلم أنه قتل كافرا والحاكم عراقي فلا يجوز له الأداء لما في ذلك من قتل المسلم بالكافر. وإذا اجتمعت الشروط وكان في صلاة أو حمام أو على طعام أو نحو ذلك فله التأخير إلى أن يفرغ. ولو رد قاض شهادته لجرحه ثم دعى إلى قاض آخر لا إليه لزمه أداؤها. ولو دعي في وقت واحد لشهادتين بحقين، فإن تساويا تخير في إجابة من شاء من الداعيين، وإن اختلف قدم ما يخاف فوته، فإن لم يخف فوته تخير، قاله ابن عبد السلام. قال الزركشي ويحتمل الاقراع وهو أوجه.
تتمة: ليس للشاهد أخذ رزق لتحمل الشهادة من الإمام أحد أو الرعية، وأما أخذه من بيت المال فهو كالقاضي، وتقدم تفصيله، وإن قال المقري: ليس له الاخذ مطلقا، وقال غيره: له ذلك بلا تفصيل. وله بكل حال أخذ أجرة من المشهود له على التحمل وإن تعين عليه إن دعي له، فإن تحمل بمكانه فلا أجرة له. وليس له أخذ أجرة للأداء إن لم يتعين عليه لأنه فرض عليه فلا يستحق عوضا، ولأنه كلام يسير لا أجرة لمثله. وفارق التحمل بأن الاخذ للأداء يورث تهمة قوية مع أن زمنه يسير ولا تفوت به منفعة متقومة، بخلاف زمن التحمل، إلا إن دعي من مسافة عدوى فأكثر فله نفقة الطريق وأجرة المركوب وإن لم يركب. نعم لمن في البلد أخذ الأجرة إن احتاج إليها، وله صرف ما يعطيه له المشهود له إلى غير النفقة والأجرة، وكذا من أعطى شيئا فقيرا ليكسو به نفسه للفقير أن يصرفه لغير الكسوة، ثم إن مشى الشاهد من بلد إلى بلد مع قدرته على الركوب، قد تنخرم المروءة فيظهر امتناعه فيمن هذا شأنه، قاله الأسنوي. قال الأذرعي: لا يتقيد ذلك ببلدين، بل قد يأتي في البلد الواحد، فيعد ذلك خرما للمروءة إلا أن تدعو الحاجة إليه، أو يفعله تواضعا.
فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها: (تقبل الشهادة على الشهادة) لعموم قوله تعالى: *
(٤٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548