مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٥٣
(وأشهدوا ذوي عدل منكم) * ولدعاء الحاجة إليها، لأن الأصل قد يتعذر، ولان الشهادة حق لازم فيشهد عليها كسائر الحقوق لأنها طريق تظهر الحق كالاقرار فيشهد عليها. لكنها إنما تقبل (في غير عقوبة) لله تعالى وغير إحصان كالأقارير والعقود والفسوخ والرضاع والولادة وعيوب النساء، سواء فيه حق الآدمي وحق الله تعالى كالزكاة ووقف المساجد والجهات العامة وهلال رمضان للصوم وذي الحجة للحج. (وفي) إثبات (عقوبة لآدمي على المذهب) كالقصاص وحد القذف. أما العقوبة لله تعالى كالزنا وشرب الخمر فلا يقبل فيها الشهادة على الشهادة على الأظهر.
وخرج منها قول في عقوبة الآدمي، ودفع التخريج بأن حق الله تعالى مبني على التخفيف، بخلاف حق الآدمي فلذلك عبر المصنف فيه بالمذهب. وأما الاحصان فيمن ثبت زناه فكالحد فلا يقبل فيه الشهادة على الشهادة على الأصح كما حكاه الرافعي عن ابن القاص.
تنبيه: يفهم من منع ثبوت إحصان من ثبت زناه منع ثبوت بلوغه، لأنه يؤول إلى العقوبة، وكذا بقية ما يعتبر في الاحصان. قال البلقيني: وكذا لا تقبل الشهادة على الشهادة بلعان الزوج إذا أنكرته المرأة لم يترتب عن لعانه من إيجاد الحد على المرأة إذا لم تلعن، وكذا الشهادة على الشهادة بانتقاض عهد الذمي ليخير الإمام فيه بين أمور فيها القتل، والشهادة على الشهادة على الإمام باختيار القتل، وعلى الحاكم الذي حكم بقتل من نزل على حكمه من الرجال المكلفين، وعلى الحاكم بإيجاد الحد على الزاني.
فرع: يجوز إشهاد الفرع على شهادته كما يفهم من إطلاق المتن وصرح به الصيمري وغيره. (وتحملها) أي الشهادة له أسباب ثلاثة، السبب الأول: ما ذكره بقوله (بأن يسترعيه) الأصل، أي يلتمس منه رعاية الشهادة وحفظها، لأن الشهادة على الشهادة نيابة، فاعتبر فيه الاذن. (فيقول) الأصل للفرع: (أنا شاهد بكذا) أي بأن لفلان على فلان كذا، (وأشهدك) على شهادتي، أو أشهدتك على شهادتي. (أو) يقول: (أشهد على شهادتي) أو إذا شهدت على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد به. قال في أصل الروضة: ولا يشترط أن يقول في الاسترعاء: أشهدك على شهادتي وعن شهادتي، لكنه أتم، فقوله: أشهدك على شهادتي تحميل، وقوله: وعن شهادتي إذن في الأداء كأنه قال: أدها عني.
تنبيه: ليس استرعاء الأصل شرطا كما يفهم كلامه، بل متى صح الاسترعاء لم يختص التحمل بالمسترعي، بل له ولمن سمع ذلك أن يشهد على الشهادة المذكورة. وأفهم كلامه أنه يشترط لفظ الشهادة وهو كذلك، فلا يكفي أعلمك وأخبرك بكذا ونحوهما، كما لا يكفي في أداء الشهادة عند القاضي. السبب الثاني: ما ذكره بقوله: (أو) بأن (يسمعه ويشهد عند قاض) أن لفلان على فلان كذا فله أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه، كما أن للقاضي ذلك قبل الحكم، لأنه إنما شهد عند القاضي بعد تحقيق الوجوب. السبب الثالث: ما ذكره بقوله: (أو) بأن يسمعه (يقول: أشهد أن لفلان على فلان ألفا عن ثمن مبيع أو غيره) كقرض، فإذا بين سبب الشهادة جاز لمن سمعه أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه، لأن إسناده إلى السبب يرفع احتمال الوعد والتساهل. (وفي هذا) السبب الأخير (وجه) أنه لا يكفي لاحتمال التوسع فيه، وحكاه الإمام عن الأكثرين وصححه البلقيني.
تنبيه: كلامه يشعر بأن ما قبل الأخير وهو الشهادة عند قاض لا خلاف فيه، وليس مرادا بل فيه وجه بعدم الكفاية أيضا. وورد على حصره الأسباب فيما ذكره صور، منها ما إذا سمعه يؤدي عند المحكم كما قاله القاضي والإمام ولم يفصلا بين أن يقول بجواز التحكيم أو لا، وبه صرح الفوراني والبغوي وجرى عليه الشيخان، لأنه لا يشهد عنده إلا وهو جازم بما يشهد به. وينبغي كما قال ابن شهبة الاكتفاء بأداء الشهادة عند أمير أو وزير بناء
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548