مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٦١
فيه إن اقتص منه، أو أقيم عليه حد. ولو استوفى المشهود له بشهادة اثنين مالا ثم وهبه للخصم، أو شهدا بإقالة من عقد وحكم بها ثم رجعا فلا غرم عليهما، لأن الغارم عاد إليه ما غرمه. ولو لم يقل الشاهد إن رجعنا ولكن قامت بينة برجوعهما لم يغرما شيئا، قال الماوردي: لأن الحق باق على المشهود عليه.
كتاب الدعوى هي لغة: الطلب والتمني، ومنه قوله تعالى: * (ولهم ما يدعون) * وألفها للتأنيث، وتجمع على دعاوى بفتح الواو وكسرها، قيل: سميت دعوى لأن المدعي يدعو صاحبه إلى مجلس الحكم ليخرج من دعواه. وشرعا: إخبار عن وجوب حق على غيره عند حاكم. (والبينات) جمع بينة وهم الشهود، سموا بذلك لأن بهم يتبين الحق. وأفرد المصنف الدعوى وجمع البينات لأن حقيقة الدعوى واحدة والبينات مختلفة، والأصل في ذلك قوله تعالى: * (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) *، وأخبار كخبر مسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه. وروى البيهقي بإسناد حسن: ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والمعنى فيه أن جانب المدعي ضعيف لدعواه خلاف الأصل فكلف الحجة القوية، وجانب المنكر قوي فاكتفي منه بالحجة الضعيفة. وإنما كانت البينة قوية واليمين ضعيفة لأن الحالف متهم في يمينه بالكذب لأنه يدفع بها عن نفسه بخلاف الشاهد. ولما كانت الخصومات تدور على خمسة: الدعوى والجواب واليمين والنكول والبينة ذكرها المصنف كذلك وبدأ منها بالأولى، فقال: (تشترط الدعوى عند قاض في عقوبة كقصاص) حد (قذف) فلا يستقل صاحبها باستيفائها لعظم خطرها والاحتياط في إثباتها واستيفائها، فلو خالف واستوفى بدون ذلك وقع الموقع في القصاص دون حد القذف كما سبق للمصنف في بابه، نعم قال الماوردي: من وجب له تعزير أو حد قذف وكان في بادية بعيدة عن السلطان كان له استيفاؤه، وقال ابن عبد السلام في قواعده: لو انفرد بحيث لا يرى ينبغي أن لا يمنع من القود، لا سيما إذا عجز عن إثباته.
تنبيه: قوله: عند قاض قد يفهم أنها لا تصح عند غيره، وليس مرادا، بل السيد يسمع الدعوى على رقيقه وإن لم يكن قاضيا، وكذلك المحكم إذا رضيا بحكمه، وكذا الوزير والأمير ونحوهما بناء على صحة الشهادة عندهما كما مر في بابها. وتقييده بالعقوبة قد يفهم أنه لا يشترط الدعوى عند القاضي في غيرها، وليس مرادا، بل لا بد في كل مجتهد فيه كعيوب النكاح والعنة والفسخ بالاعسار بالنفقة ونحوه عند التنازع والاحتياج إلى الاثبات والحكم فيها من الرفع إلى القاضي والدعوى عنده ما خرج المال عن هذا إلا لأن المستحق قد يستقل بالوصول إلى حقه فلا يحتاج إلى دعوى. ويستثنى من اشتراط الدعوى عند القاضي صورتان: إحداهما قتل من لا وارث له أو قذفه، إذا الحق فيه للمسلمين، فيقتل: بشهادة الحسبة ولا يحتاج إلى دعوى حسبة بل في سماعها خلاف مر. ثانيهما: قتل قاطع الطريق الذي لم يتب قبل القدرة عليه لا يشترط فيه دعوى لأنه لا يتوقف على طلب. وتمثيل بالقصاص والقصد يفهم التصوير بحق الآدمي وأن حدود الله تعالى لا يشترط فيها ذلك، وليس مرادا، بل لا بد فيها من القاضي أيضا مع أنه لا تسمع فيها الدعوى أصلا لأنها ليست حقا للمدعي، ومن له الحق لم يأذن في الطلب بل هو مأمور بالاعراض والدفع ما أمكن. نعم لو قذفه بالزنا وأراد القاذف تحليفه أو تحليف وارثه الطالب أنه لم يزن فإنه يجاب إلى ذلك على الأصح، وقالوا: ولا تسمع دعوى بذلك ويحلف على نفيه إلا في هذه الصورة، قاله الرافعي في باب اللعان. (وإن استحق) شخص (عينا) تحت يد عادية (فله) أو وليه إن لم يكن كاملا كما نص عليه الشافعي (أخذها) مستقلا بالأخذ بلا رفع لقاض وبلا علم من هي تحت يده للضرورة، (إن لم يخف) من أخذها (فتنة) أو ضررا.
(٤٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548