مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٢٦٠
باب الهدنة وتسمى الموادعة والمعاهدة والمسالمة والمهادنة، وهي لغة المصالحة. وشرعا مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة بعوض أو غيره سواء فيهم من يقر على دينه ومن لم يقر، وهي مشتقة من الهدون وهو السكون والأصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى * (براءة من الله ورسوله) * الآية. وقوله تعالى * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) * ومهادنته (ص) قريشا عام الحديبية كما رواه الشيخان. وهي جائزة لا واجبة بأربعة شروط: الأول ما أشار إليه بقوله (عقدها لكفار أقليم) كالروم والهند (يختص بالإمام أو نائبه فيها) أي عقد الهدنة لما فيها من الخطر. والإمام أو نائبه هو الذي يتولى الأمور العظام، وهو أعرف بالمصالح من الآحاد وأقدر على التدبير منهم كما قال الماوردي.
ولا يقوم إمام البغاة مقام إمام الهدنة في ذلك.
تنبيه: قد علم من منع عقدها من الآحاد لأهل إقليم منع عقدها للكفار مطلقا من باب أولى. وقد صرح في المحرر بالامرين جميعا، فإن تعاطاها الآحاد لم يصح لكن لا يغتالون بل يبلغون المأمن لأنهم دخلوا على اعتقاد صحة أمانه. (و) عقدها (لبلدة) أي كفارها (يجوز لوالي الإقليم) لتلك البلدة كما في الروضة وأصلها لتفويض مصلحة الإقليم إليه ولاطلاعه على مصالحه، ولان الحاجة قد تدعو إلى ذلك والمفسدة فيه قليلة لو أخطأ. وأفهم قوله (أيضا) أنه يجوز عقد الهدنة لكفار بلدة من الإمام ونائبه أيضا. قال الرافعي: والقصور على بلدة واحدة في ذلك الإقليم لا معنى له فإن الحاجة قد تدعو إلى مهادنة أهل بلاد في ذلك الإقليم وتكون المصلحة في ذلك.
تنبيه: قد يفهم من تعبير المصنف بعقدها اعتبار الايجاب والقبول، لكن على كيفية ما سبق في عقد الأمان، وقضية كلامه كغيره: أن والي الإقليم لا يهادن جميع أهل الإقليم، وبه صرح الفوراني، وهو أظهر من قول العمراني أن له ذلك وقضية كلامه أيضا أنه لا يشترط إذن الإمام للوالي في ذلك، وهو قضية كلام الرافعي، لكن نص الشافعي على اعتبار إذنه وهو الظاهر، والإقليم - بكسر الهمزة - أحد الأقاليم السبعة التي في الربع المسكون من الأرض وأقاليمها أقسامها، وذلك أن الدنيا مقسومة على سبعة أسهم على تقدير أصحاب الهيئة. ثم شرع في الشرط الثاني بقوله (وإنما تعقد لمصلحة) ولا يكفي انتفاء المفسدة لما فيه من موادعتهم بلا مصلحة، وقد قال تعالى * (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون) *. ثم بين المصلحة بقوله (كضعفنا بقلة عدد) لنا (وأهبة، أو) لا لضعفنا، بل لأجل (رجاء إسلامهم، أو بذل جزية) أو نحو ذلك كحاجة الإمام إلى إعانتهم له على غيرهم ولأنه (ص) هادن صفوان بن أمية أربعة أشهر عام الفتح وقد كان (ص) مستظهرا عليه، ولكنه فعل ذلك لرجاء إسلامه، فأسلم قبل مضيها.
تنبيه: قوله: أو رجاء معطوف على قوله كضعفنا، لا على الذي يليه كما يفهم مما قدرته، فكان ينبغي إعادة الجار فيه: أي أن المصلحة تارة تكون لضعفنا لقلة العدد والأهبة، وتارة مع قوتنا، ولكن لرجاء إسلامهم أو غيره.
ثم شرع في الشرط الثالث بقوله (فإن لم يكن) بنا ضعف ورأي الإمام المصلحة فيها (جازت) ولو بلا عوض (أربعة أشهر) للآية المارة ولمهادنته صلى الله عليه وسلم صفوان كما مر (لا سنة) فلا يجوز جزما، لأنها مدة تجب فيها الجزية فلا يجوز تقريرهم فيها بلا جزية (وكذا دونها) فوق أربعة أشهر لا يجوز أيضا (في الأظهر) لزيادتها
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548