مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٢٩٣
وقال: إن رسول الله (ص) أمر أن أضحي عنه، فأما أضحي عنه أبدا لكنه من رواية شريك القاضي وهو ضعيف. وقدمنا أنه إذا ضحى عن غيره يجب عليه التصدق بجميعها، وقيل تصح التضحية عن الميت وإن لم يوص بها، لأنها ضرب من الصدقة، وهي تصح عن الميت وتنفعه، وتقدم في الوصايا أن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري أحد أشياخ البخاري ختم عن النبي (ص) أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه بمثل ذلك.
فصل في العقيقة: من عق يعق بكسر العين وضمها، وهي في اللغة اسم للشعر الذي على المولود حين ولادته، وشرعا ما يذبح عند حلق شعره تسمية للشئ باسم سببه، ولان مذبحه يعق، أي يشق ويقطع، ومقتضى كلامهم والاخبار أنه لا يكره تسميتها عقيقة، لكن روى أبو داود أنه (ص) قال للسائل عنها: لا يحب الله العقوق فقال الراوي: كأنه كره الاسم، ويوافقه قول ابن أبي الدم: قال أصحابنا يستحب تسميتها نسيكة أو ذبيحة ويكره تسميتها عقيقة، كما يكره تسمية العشاء عتمة. ويدخل وقتها بانفصال جميع الولد، ولا تحسب قبله بل تكون شاة لحم، وهي سنة مؤكدة للاخبار الآتية: قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: أفرط في العقيقة رجلان : الحسن قال إنها بدعة، والليث قال إنها واجبة، ثم لما نشأ داود بعد الشافعي وافق الليث، والحجة عليهما حديث أبي داود:
من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل ولأنها إراقة دم بغير جناية ولا نذر فلم تجب كالأضحية، والمعنى فيه إظهار البشر بالنعمة ونشر النسب، والأصل في استحبابها أخبار كخبر: الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى وكخبر: أنه (ص) أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق رواهما الترمذي. وقال في الأول حسن صحيح، وفي الثاني حسن، ومعنى مرتهن بعقيقته قيل لا ينمو نمو مثله حتى يعق عنه.
قال الخطابي: وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل: أنه إذا لم يعق عنه لم يشفع في والديه يوم القيامة، ونقله الحليمي عن جماعة متقدمة على أحمد. (يسن) لمن تلزمه نفقة فرعه بتقدير فقره (أن يعق عن) مولود (غلام بشاتين) متساويتين (و) عن (جارية بشاة) لخبر عائشة رضي الله تعالى عنها أمرنا رسول الله (ص) أن نعق عن الغلام بشاتين، وعن الجارية بشاة رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وإنما كانت الأنثى على النصف تشبيها بالدية، لأن الغرض منها استبقاء النفس. ويتأدى أصل السنة عن الغلام بشاة واحدة لما روى أبو داود بإسناد صحيح:
أنه (ص) عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا وكالشاة سبع بدنة أو بقرة، فلو ذبح بدنة أو بقرة عن سبعة أولاد، أو اشترك جماعة فيها جاز سواء أرادوا كلهم العقيقة أو بعضهم العقيقة وبعضهم اللحم، قاله في المجموع، وكالأنثى والخنثى كما قاله الأسنوي، وتتعدد العقيقة بتعدد الأولاد كما هو قضية كلام المجموع. فإن قيل: قد عق النبي (ص) عن الحسن والحسين، وقد قلتم إنها إنما تسن لمن تلزمه نفقة المولود؟. أجيب بأن المراد بعقه (ص) أنه أمر أباهما بذلك، أو أعطاه ما عق به أو أنهما كانا في نفقة جدهما (ص) لعسر أبويهما.
أما من مال المولود فلا يجوز للولي أن يعق عنه من ذلك، لأن العقيقة تبرع وهو ممنوع منه من مال المولود، فإن فعل ضمن كما نقله في المجموع عن الأصحاب. قال الأذرعي: وإطلاقهم استحباب العقيقة لمن تلزمه نفقة الولد يفهم أنه يستحب للام أن تعق عن ولدها من زنا، وفيه بعد لما فيه من زيادة العار، وأنه لو ولدت أمته من زنا أو زوج معسر، أو مات قبل عقه استحب للسيد أن يعق عنه وليس مرادا.
تنبيه: لو كان الولي عاجزا عن العقيقة حين الولادة ثم أيسر بها قبل تمام السابع استحبت في حقه، وإن أيسر بها بعد السابع مع بقية مدة النفاس: أن أكثره كما قاله بعض المتأخرين لم يؤمر بها، وفيما إذا أيسر بها بعد السابع في مدة النفاس تردد للأصحاب، ومقتضى كلام الأنوار ترجيح مخاطبته بها. ولا يفوت على الولي الموسر بها حتى يبلغ الولد، فإن بلغ سن أن يعق عن نفسه تداركا لما فات، وما قيل أنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548