مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٢
تتمة: لو أمر السلطان شخصا بقتل آخر بغير حق والمأمور لا يعلم ظلم السلطان ولا خطأه وجب القود أو الدية والكفارة على السلطان ولا شئ على المأمور لأنه آلته، ولا بد منه في السياسة، فلو ضمناه لم يتول الجلد أحد، ولان الظاهر أن الإمام لا يأمر إلا بالحق، ولان طاعته واجبة فيما لا يعلم أنه معصية، ويسن للمأمور أن يكفر لمباشرة القتل. وإن علم بظلمه أو خطئه وجب القود على المأمور إن لم يخف قهره بالبطش بما يحصل به الاكراه لأنه لا يجوز طاعته حينئذ كما جاء في الحديث الصحيح، فصار كما لو قتله بغير إذن، فلا شئ على السلطان إلا الاثم فيما إذا كان ظالما. نعم إن اعتقد وجوب طاعته في المعصية فالضمان على الإمام لا عليه، لأن ذلك مما يخفى، نقله الأذرعي والزركشي عن صاحب الوافي وأقراه. فإن خاف قهره فكالمكره فالضمان بالقصاص وغيره عليهما. وحكم سيد البغاة حكم الإمام فيما ذكر، لأن أحكامه نافذة، بل إن أمره بقتله متغلب فعليه القصاص أو الدية والكفارة وليس على الآمر إلا الاثم، ولا فرق بين أن يعتقده حقا أو يعرف أنه ظلم لأنه ليس بواجب الطاعة. هذا إن لم يخف قهره كما مر وإلا فكالمكره. ولو أكرهه الإمام على صعود شجرة أو نزول بئر ففعل، فإن لم يخف قهره فلا ضمان عليه، وإن خافه فالضمان على عاقلته وهي دية شبه عمد كما مر وإن كان ذلك لمصلحة المسلمين. ولو أمر شخص عبده أو عبد غيره المميز الذي لا يعتقد وجوب طاعته في كل أمره بقتل أو إتلاف ظلما ففعل أثم الآمر واقتص من العبد البالغ وتعلق ضمان المال برقبته، وإن كان للصبي أو المجنون تمييز فالضمان عليهما دون الآمر، وما أتلفه غير المميز بلا أمر خطأ يتعلق بذمته إن كان حرا وبرقبته إن كان رقيقا لاهدر، وإن اقتضى كلام أصل الروضة أنه هدر. ولو أكره شخص عبدا مميزا على قتل مثلا ففعل تعلق نصف الدية برقبته بناء على الأصح من أن الحر المكره يلزمه نصف الدية.
فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها: إذا (وجد من شخصين) مثلا حال كونهما (معا) أي مجتمعين في زمن واحد (فعلان) مثلا (مزهقان) للروح لو انفرد كل منهما لأمكن إصالة الازهاق عليه، وهما (مذففان) بإعجام الذال بخطه، ويجوز إهمالهما، أي مسرعان للقتل. (كحز) للرقبة (وقد) للجثة، (أو لا) أي غير مذففين (كقطع عضوين) ومات منهما، (فقاتلان) يجب عليهما القصاص، وكذا الدية إذا وجبت لوجود السبب منهما.
وقضية كلامه أنه لو كان أحدهما مذففا دون الآخر كان المذفف هو القاتل وهو كذلك. واحترز بقوله: معا عما إذا ترتب فعلهما وسيذكره.
تنبيه: استعمل المصنف هنا معا للدلالة على الاتحاد في الزمان وفاقا لثعلب وغيره، وأما ابن مالك فاختار عدم دلالتها على الاتحاد وأنها تستعمل بمعنى جميعا، وهو ظاهر نص الشافعي فيمن قال لامرأتيه: إن ولدتما معا فأنتما طالقتان أنه لا يشترط الاتحاد في الزمان، وإذا أفردت عن الإضافة كما في الكتاب أعربت حالا، ومذففان في كلامه خبر مبتدأ محذوف، أي وهما مذففان كما صرح به في المحرر، وليس صفة لفعلان لتنويعهما إلى التذفيف وعدمه. والفاء في قوله فقاتلان جواب شرط محذوف كما قدرته في كلامه. (وإن) لم يوجد الفعلان معا بالوصف السابق، بل ترتبا بأن (أنهاه رجل) مثلا (إلى حركة مذبوح) وهي المفسرة بقوله: (بأن لم يبق) معها (إبصار، و) لا (نطق) اختياري (و) لا (حركة اختيار) وهي التي يبقى معها الادراك وهي المستقرة، ويقطع بموته بعد يوم أو أيام، وهي التي اشترط وجودها في إيجاب القصاص دون المستمرة، وهي التي لو ترك معها لعاش. واحترز بالاختيار عما إذا قطع الانسان نصفين وبقيت أحشاؤه في النصف الاعلى، فإنه ربما يتكلم بكلمات لا تنتظم، وإن انتظمت فليست عن روية واختيار، بل تجري مجرى الهذيان الذي لا يصدر عن عقل صحيح ولا قلب ثابت. حكى ابن هريرة أن رجلا قطع نصفين فتكلم واستسقى ماء فسقي، وقال هكذا يفعل بالجيران. وإن شك في وصوله إلى حركة مذبوح رجع إلى أهل الخبرة كما قال الرافعي، أي وعمل بقول عدلين منهم. وحالة المذبوح تسمى حالة اليأس، وهي التي لا يصح فيها
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548