مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٧
تنبيه: هذا إذا تمحض القصاص، فلو شهدا على قاطع الطريق ثم رجعا لم يسقط القصاص عنهما باعتراف الولي بكذبهما، لأن حق الله تعالى باق. وخرج بولي المقتول ولي القاتل، فإنه إذا قال: أنا أعلم كذبهما في رجوعهما وأن مورثي قتله فلا قصاص على أحدهما. قال البلقيني: وهذا واضح. وقد يرد على حصره ما لو اعترف القاضي بعلمه بكذبهما حين الحكم أو القتل دون الولي فالقصاص عليه دون الشهود. وسيذكر المصنف رجوع الشهود آخر كتاب الشهادات بأبسط مما هنا. وخرج بالشاهد الراوي، كما لو أشكلت حادثة على قاض فروى له فيها إنسان خبرا فقتل الحاكم به شخصا ثم رجع الراوي وقال: تعمدت الكذب فلا قصاص عليه كما نقله في الروضة كأصلها قبيل الديات عن الإمام وغيره، خلافا للبغوي في فتاويه. وقياسه ما لو استفتى القاضي شخصا فأفتاه بالقتل ثم رجع كما بحثه بعض المتأخرين.
ثم شرع في الضرب الثاني وهو السبب العرفي، فقال: (ولو ضيف بمسموم) يقتل غالبا، أو ناوله (صبيا) غير مميز كما قيده به الإمام وغيره ونقله الشيخ أبو حامد عن النص، (أو مجنونا) فأكله (فمات) منه (وجب القصاص) لأنه ألجأه إلى ذلك، سواء قال له هو مسموم أم لا. وفي معناهما الأعجمي الذي يعتقد وجوب طاعة أمره. وأما المميز فكالبالغ، وكذا المجنون الذي له تمييز كما قاله البغوي. (أو) ضيف به (بالغا عاقلا ولم يعلم) الضيف (حال الطعام فدية) ولا قصاص لأنه تناوله باختياره من غير إلجاء. (وفي قول قصاص) ورجحه البغوي وغيره. واستدل له المتولي بقتله (ص) اليهودية التي سمت له الشاة بخيبر لما مات بشر بن البراء بن معرور. قال في البحر:
والاستدلال بذلك ضعيف، لأنها لم تقدم الشاة إلى الأضياف، بل بعثتها إليه (ص) وهو أضاف أصحابه.
وما هذا سبيله لا يلزمه قصاص. ولا ينافي الأول ما في الصحيحين أنه (ص) عفا عنها، لأن ذلك كان في الابتداء فلما مات بشر أمر بقتلها. (وفي قول لا شئ) من قصاص أو دية تغليبا للمباشرة على السبب. أما إذا علم الضيف حال الطعام فلا شئ على المضيف جزما، لأنه المهلك نفسه. (ولو دس سما) بتثليث السين والفتح أفصح، وهو شئ يضاد القوة الحيوانية. (في طعام شخص الغالب أكله منه فأكله جاهلا) بالحال فمات. (فعلى الأقوال) في المسألة قبلها. وجه الثاني التسبب. والأول قال: يكفي فيه الدية. وعلى الثلاثة يجب له قيمة الطعام لأن الداس أتلفه عليه. ومثل الطعام في ذلك ماء على طريق شخص معين والغالب شربه منه. واحترز بقوله: في طعام شخص عما إذا دسه في طعام نفسه فأكل منه شخص عادته الدخول عليه فإنه هدر. وقوله: الغالب أكله منه زيادة على المحرر، وهي في الشرحين ولم يتعرض لها الأكثرون. وقضيته أنه إذا كان أكله منه نادرا يكون هدرا، وجرى على ذلك جمع من الشراح. وليس مرادا وإنما هو لأجل الخلاف حتى يأتي القول بالقصاص وإلا فالواجب دية شبه العمد مطلقا، نبه على ذلك شيخي فتنبه له فإنه يغفل عنه كثير من الطلبة.
فروع: لو قال لعاقل: كل هذا الطعام وفيه سم فأكله فمات فلا قصاص ولا دية كما نص عليه في الام وجزم به الماوردي. ولو ادعى القاتل الجهل بكونه سما فقولان، والأوجه ما قاله المتولي أنه إن كان ممن يخفى عليه ذلك صدق وإلا فلا. فإن ادعى الجهل بكونه قاتلا فالقصاص. ولو قامت بينة بأن السم الذي أوجره يقتل غالبا وقد ادعى أنه لا يقتل غالبا وجب القصاص، فإن لم تقم بينة بذلك صدق بيمينه. ولو أوجر شخصا سما لا يقتل غالبا فشبه عمد أو يقتل مثله غالبا فالقصاص، وكذا إكراه جاهل عليه لا عالم. وكلام أصل الروضة هنا محمول على هذا بقرينة ذكره له في الكلام على إكراهه على قتل نفسه. ولا يجب على المجني عليه معالجة الجناية بما يدفعها: (و) حينئذ (لو ترك المجروح علاج جرح مهلك) له (فمات) منه (وجب القصاص) جزما على الجارح، لأن البرء غير موثوق به لو عولج، والجراحة في نفسها مهلكة. أما ما لا يهلك كأن فصده فلم يعصب العرق حتى مات فإنه لا ضمان لأنه الذي قتل
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548