مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٢٩
تنبيه: ظاهر كلام الشيخين أنه يكتفى بقولهم إنهم مكرهون وهو ظاهر إطلاق الجمهور، وإن قال المتولي والبندنيجي أنه لا بد من ثبوت كونهم مكرهين عند الإمام، هذا في أهل الذمة، وأما أهل العهد فلا تقبل دعواهم الاكراه إلا ببينة عند الشيخين، لأن إمام أهل الذمة أقوى بدليل أنه لو خاف الإمام من أهل العهد الخيانة نبذ إليهم عهدهم بخلاف أهل الذمة، واحترز بعالمين عما تضمنه قوله (وكذا إن قالوا ظننا جوازه) أي أنه يجوز لنا إعانة بعض المسلمين على بعض، أو ظننا أنهم يستعينون بنا على قتال كفار، وأمكن صدقهم كما أشار إليه في البسيط، فلا ينتقض عهدهم بالظن المذكور (أو) ظننا (أنهم محقون) فيما فعلوه، وأن لنا إعانة المحق فلا ينتقض عهدهم أيضا (على المذهب) لموافقتهم طائفة من المسلمين مع عذرهم، ولا بد في دعواهم الجهل من إمكان صدقهم كما ذكره الإمام والغزالي وإلا فلا تقبل، وزاد الرافعي في شرحيه بعد قوله وأنهم محقون، وأن لهم إعانة المحق، وإلا فليس لهم قتال المحقين ولا المبطلين، وناقش الوجيز بترك ذلك وأسقطه من الروضة كما هنا، وقد قدرته في كلامه وفي قوله أنه ينتقض، ولو ادعوا ذلك كما لو استقلوا بالقتال، وتعبير المصنف بكذا يقتضي أنه لا خلاف في أن المكره لا ينتقض عهده، وليس مرادا، بل فيه الطريقان، فلو جمع بين المسألتين بعبارة واحدة لكان أولى.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يشترط عليهم الإمام ترك القتال في عقد الذمة وإلا فينتقض قطعا، ولو قاتل أهل الذمة أهل البغي لم ينتقض عهدهم على الصحيح، لأنهم حاربوا من يلزم الإمام محاربته. (ويقاتلون) حيث قلنا بعدم انتقاض عهدهم في المسائل الثلاث (كبغاة) أي كقتالهم، لأن الأمان حقن دماءهم كما أن الاسلام حقن دماء البغاة، أما إذا انتقض عهدهم فحكمه مذكور في الجزية.
تنبيه: تشبيه المصنف لهم بالبغاة في المقاتلة يقتضي أنهم لا يلحقون بهم في نفي ضمان ما يتلفونه في حال القتال وهو كذلك، لأنا أسقطنا الضمان عن البغاة لاستمالة قلوبهم وردهم إلى الطاعة، لئلا ينفرهم الضمان وأهل الذمة في قبضة الإمام، وهل يجب عليهم القصاص؟ وجهان: في الروضة كأصلها بلا ترجيح، أرجحهما كما قال البلقيني: الوجوب.
وقال إنه ظاهر نص الشافعي، وخرج بأهل الذمة غيرهم من المعاهدين والمؤمنين فينتقض عهدهم ولا يقبل عذرهم إلا في الاكراه، ولا بد من بينة في دعواهم الاكراه كما مر عن الشيخين.
فرع: لو اقتتل طائفتان باغيتان منعهما الإمام، فلا يعين إحداهما على الأخرى، وإن عجز عن منعهما قاتل أشرهما بالأخرى التي هي أقرب إلى الحق، وإن رجعت لم يفاجئ الأخرى بالقتال حتى يدعوها إلى الطاعة لأنها صارت باستعانته بها في أمانه، فإن استوتا قال الماوردي: ضم إليه أقلهما جمعا ثم أقربهما دارا ثم يجتهد فيهما وقاتل بالمضمومة إليه منهما الأخرى غير قاصد إعانتها بل قاصدا دفع الأخرى، ولو غزا البغاة مع الإمام مشركين فكأهل العهد في حكم الغنائم فيعطى القاتل منهم السلب كغيره من أهل العدل، ولو عاهد البغاة مشركا اجتنباه بأن لا نقصده بما نقصد به الحربي غير المعاهد ولو قتل عادل عادلا في القتال وقال: ظننته باغيا، حلف ووجبت الدية دون القصاص للعذر، ولو تعمد عادل قتل باغ أمنه عادل ولو كان المؤمن له عبدا أو امرأة اقتص منه وإن كان جاهلا بأمانه لزمه الدية. ولما قدم المصنف أن البغي هو الخروج على الإمام الأعظم وهو القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا فيا لها رتبة ما أسناها ومرتبة ما أعلاها احتاج إلى تعريفه فعقد له فصلا، فقال:
فصل: في شروط الإمام الأعظم وبيان انعقاد طرق الإمامة، وهي فرض كفاية كالقضاء، إذ لا بد للأمة من إمام يقيم الدين وينصر السنة وينصف المظلوم من الظالم ويستوفي الحقوق ويضعها مواضعها، وقدما في الشرح والروضة الكلام على الإمامة على أحكام البغاة، وما في الكتاب أولى، لأن الأول هو المقصود بالذات. وقد بدأ بالقسم الأول وهو الشروط بقوله (شرط الإمام) الأعظم هو مفرد مضاف فيعم كل شرط، أي شروطه حال عقد الإمامة أو العهد بها
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548