مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٨٨
فشربها ظانا كونها شرابا لا يسكر (لم يحد) للعذر ولا يلزمه قضاء الصلوات الفائتة مدة السكر كالمغمى عليه، ولو قال السكران بعد الأصحاء: كنت مكرها، أو لم أعلم أن الذي شربته مسكرا صدق بيمينه قاله في البحر في كتاب الطلاق.
(ولو قرب إسلامه فقال جهلت تحريمها لم يحد) لأنه قد يخفي عليه ذلك والحدود تدرأ بالشبهات. قال الأذرعي: وهذا ظاهر في غير من نشأ في بلاد الاسلام، أما من نشأ فيها فلا يخفى عليه تحريم الخمر عند المسلمين فلا يقبل قوله اه‍. وظاهر كلام الأصحاب الاطلاق وهو الظاهر (أو) قال: علمت تحريمها ولكن (جهلت الحد) بشربها (حد) لأن من حقه إذا علم التحريم أن يمتنع (ويحد بدردي خمر) وهو بمهملات وتشديد آخره: ما في أسفل وعاء الخمر من عكر لأنه منه.
تنبيه: كلامه قد يوهم أن دردي غيره من المسكرات ليس كذلك وليس مرادا، بل الظاهر كما قاله الأذرعي أنه لا فرق بين الجميع، ويحد بالثخين منها إذا أكله. و (لا) يحد بشربها فيما استهلكت فيه كما في الروضة وأصلها عن الإمام وجزم به في الرضاع ولا (بخبز عجن دقيقه بها) على الصحيح لأن عين الخمر أكلتها النار وبقي الخبز نجسا (ومعجون هي فيه) لاستهلاكها ولا بأكل لحم طبخ بها بخلاف مرقه إذا شربه أو غمس فيه أو ثرد بها فإنه يحد لبقاء عينها (وكذا حقنة) بها بأن أدخلها دبره (وسعوط) - بفتح السين - بأن أدخلها أنفه، فلا يحد بذلك (في الأصح) لأن الحد للزجر ولا حاجة إليه هنا فإن النفس لا تدعو إليه، والثاني يحد فيهما كما يحصل الافطار بهما للصائم، والثالث وجرى عليه البلقيني أنه يحد في السعوط دون الحقنة لأنه قد يطرب به بخلاف الحقنة (ومن غص) بغين معجمة مفتوحة بخطه، وحكي ضمها والفتح أجود قاله ابن الصلاح والمصنف في تهذيبه: أي شرق (بلقمة) ملا (أساغها) أي أزالها (بخمر) وجوبا كما قاله الإمام (إن لم يجد غيرها) ولا حد عليه إنقاذا للنفس من الهلاك والسلامة بذلك قطعية بخلاف التداوي، وهذه رخصة واجبة (والأصح تحريمها) أي تناولها على مكلف (لدواء وعطش) أما تحريم الدواء بها فلانه (ص) لما سئل عن التداوي بها قال: إنه ليس بدواء ولكنه داء، والمعنى أن الله تعالى سلب الخمر منافعها عندما حرمها، ويدل لهذا قوله (ص):
إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها وهو محمول على الخمر. روي أن النبي (ص) قال: إن الله لما حرم الخمرة سلبها المنافع. وما دل عليه القرآن من أن فيها منافع للناس إنما هو قبل تحريمها، وإن سلم بقاء المنفعة فتحريمها مقطوع به، وحصول الشفاء بها مظنون، فلا يقوى على إزالة المقطوع به، وأما تحريمها للعطش فلأنها لا تزيله بل تزيده لأن طبعها حار يابس كما قاله أهل الطب، ولهذا يحرض شاربها على الماء البارد. وقال القاضي أبو الطيب:
سألت أهل المعرفة بها، فقال: تروي في الحال ثم تثير عطشا شديدا. فإن قيل: هذه رواية فاسق لا تقبل. أجيب بأنه أخبر بعد نوبته. والثاني يجوز التداوي بها، أي بالقدر الذي لا يسكر كبقية النجاسات، ويجوز شربها لإساغة اللقمة بها، وقيل يجوز التداوي بها دون شربها للعطش، وقيل عكسه، وشربها لدفع الجوع كشربها لدفع العطش.
تنبيه: محل الخلاف في التداوي بها بصرفها، أما الترياق المعجون بها ونحوه مما تستهلك فيه فيجوز التداوي به عند فقد ما يقوم مقامه مما يحصل به التداوي من الطاهرات كالتداوي بنجس كلحم حية وبول، ولو كان التداوي بذلك لتعجيل شفاء بشرط إخبار طبيب مسلم عدل بذلك أو معرفته للتداوي به، والند - بالفتح - المعجون بخمر لا يجوز بيعه لنجاسته. قال الرافعي: وكان ينبغي أن يجوز كالثوب المتنجس لامكان تطهيره بنقعه في الماء، ودخانه كدخان من التبخر به، ويجوز تناول ما يزيل العقل من غير الأشربة لقطع عضو، أما الأشربة فلا يجوز تعاطيها
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548