مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٧
دية، والثاني لا شئ له، لأن الجاني مات سراية بفعل المجني عليه فحصلت المقابلة، ودفع بأن القصاص لا يسبق الجناية فإن ذلك يكون في معنى السلم في القصاص، وهو ممتنع.
تنبيه: لو كان ذلك في قطع يديه مثلا لم يستحق شيئا، لأنه قد استوفى ما يقابل النفس، أو في موضحة وجب تسعة أعشار الدية ونصف عشرها وقد أخذ المجني عليه بقصاص الموضحة نصف العشرة، وقس على ذلك. ثم اعلم أن هذه المسألة الآتية تسمى مسألة الدهشة، وللمخرج فيها أحوال. الحال الأول أن يقصد الإباحة كما نبه على ذلك بقوله:
(ولو قال) مكلف (مستحق) قصاص (يمين) للجاني (أخرجها) أي يمينك (فأخرج) له (يساره) عالما بها وبعدم إجزائها (وقصد إباحتها) فقطعها وهو مكلف حر مستحق قصاص اليمين (فمهدرة) لا قصاص فيها ولا دية، سواء أعلم القاطع أنها اليسار مع ظن الاجزاء أم لا، جعلها عوضا عن اليمين أم لا لأن صاحبها بذلها مجانا وإن لم يتلفظ بالإباحة كما لو قال: ناولني متاعك لألقيه في البحر فناوله فلا يجب ضمانه إذا ألقاه في البحر ويبقى قصاص اليمين إلا إذا مات المبيح أو ظن القاطع الاجزاء أو جعلها عوضا، فإنه يعدل إلى الدية لأن اليسار وقعت هدرا، وخرج بالمكلف المقدر في كلامه المجنون، فإنه إذا أخرج يساره وقطعتها المقتص عالما بالحال وجب عليه القصاص، وإن كان جاهلا وجب عليه الدية. وصورته: أن يجني عاقلا ثم يجن وإلا فالمجنون حالة الجناية لا يجب عليه القصاص، وبالحر المقدر في كلامه أيضا الرقيق فإنه لا تهدر يساره بإباحتها قطعا، وفي سقوط القصاص إذا كان القاطع رقيقا وجهان في الروضة وأصلها في مسائل الاكراه بلا ترجيح، ورجح البلقيني السقوط، وهو الظاهر.
تنبيه: كلام المصنف يشعر بمباشرة المستحق للقطع مع أن الأصح عدم تمكينه من استيفاء القصاص في الطرف كما سبق. وصورها المتولي بما أذن له الإمام في استيفاء القصاص بنفسه. الحال الثاني أن يقصد المخرج جعلها عن اليمين كما نبه على ذلك بقوله: (وإن قال) المخرج بعد قطعها (جعلتها) حالة الاخراج (عن اليمين وظننت إجزاءها) عنها (فكذبه) القاطع في هذا الظن وقال: بل عرفت أنها اليسار وأنها لا تجزئ عن اليمين (فالأصح لا قصاص في اليسار) سواء قال القاطع ظننت أنه أباحها أو أنها اليمين أم علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ، أو قطعها عن اليمين وظننت أنها تجزئ عنها لشبهة بذلها، لأنا أقمنا ذلك مقام إذنه في القطع، وهو لو قال لغيره: اقطع يدي فقطعها لا قصاص عليه (وتجب دية) فيها لأنه لم يبذلها مجانا، والثاني يجب القصاص، وهو في الأولى احتمال للإمام، وعبر في الروضة عن مقابله في الثانية بالمذهب، وفي الثالثة بالأصح، وفي الرابعة في الصحيح.
تنبيه: ما ذكره المصنف في هذه الحال الثاني ليس مطابقا لما في المحرر ولا الروضة وأصلها، وعبارة المحرر ولو قال: قصدت إيقاعها عن اليمين وظننتها تجزئ عنها، وقال القاطع: عرفت أن المخرج اليسار وأنها لا تجزئ فلا قصاص في الأصح، ومراده عرفت - بضم التاء - للمتكلم. فظن المصنف أنها بفتح التاء للخطاب فعبر عنه بالتكذيب.
قال ابن شهبة: وهو غير صحيح لامرين: أحدهما أن هذا ليس موضع تنازعهما، والذي في الروضة وغيرها في هذا القسم كله ظن القاطع أو علمه. الأمر الثاني أنه يقتضي أنه إذا صدقه يجب قصاص اليسار. والذي في الشرح والروضة في هذه الحالة أنه لا قصاص أيضا على الأصح. (ويبقى قصاص اليمين) في الأولى قطعا، وفي الثانية على المذهب، وفي الثالثة على أصح الوجهين، لأنه في الثلاثة لم يستوفه ولا عفا عنه. أما الرابعة فيسقط فيها، ولكل دية ما قطع الآخر، فلو سرى القطع إلى النفس وجب ديتها وتدخل فيها اليسار، قاله في التتمة. الحال الثالث للمخرج أن يقول: دهشت كما نبه على ذلك بقوله (وكذا لو قال) المخرج (دهشت) بضم أوله بخطه.
ويجوز فتحه وكسر ثانيه، من الدهشة وهي الحيرة (فظننتها اليمين) أو قال: ظننته قال اخرج يسارك
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548