مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٢١٠
فهو أفضل، ويحصل فرض الكفاية بأن يشحن الإمام الثغور بمكافئين للكفار مع إحكام الحصون والخنادق وتقليد الامراء أو بأن يدخل الإمام أو نائبه دار الكفر بالجيوش لقتالهم، ووجوب الجهاد وجوب الوسائل لا المقاصد، إذ المقصود بالقتال إنما هو الهداية وما سواها من الشهادة، وأما قتل الكفار فليس بمقصود حتى لو أمكن الهداية بإقامة الدليل بغير جهاد كان أولى من الجهاد، وما ذكره المصنف محله في الغزو، وأما حراسة حصون المسلمين فمتعينة فورا. واعلم أن فروض الكفاية كثيرة جدا، ذكر منها المصنف في الجنائز غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وفي اللقيط التقاط المنبوذ، وذكر هنا الجهاد، ثم استطرد إلى ذكر غيره، فقال: (ومن فروض الكفاية القيام بإقامة الحجج) العلمية، وهي البراهين القاطعة على إثبات الصانع سبحانه وتعالى وما يجب له من الصفات وما يستحيل عليه منها وعلى إثبات النبوات وصدق الرسل، وما ورد به الشرع من الحساب والمعاد والميزان وغير ذلك، وكما أنه لا بد من إقامة الحجج القهرية بالسيف لا بد ممن يقيم البراهين ويظهر الحجج ويدفع الشبهات ويحل المشكلات كما نبه عليه بقوله: القيام بإقامة (وحل المشكلات في الدين) ودفع الشبهة ويتعين على المكلف دفع شبهة أدخلها بقلبه، وذلك بأن يعرف أدلة المعقول ويعلم دواء أمراض القلب وحدودها وأسبابها كالحسد والرياء والكبر وأن يعرف من ظواهر العلوم لا دقائقها ما يحتاج إليه لإقامة فرائض الدين كأركان الصلاة والصيام وشروطهما. وإنما يجب تعلمه بعد الوجوب وكذا قبله إن لم يتمكن من تعلمه بعد دخول الوقت مع الفعل وكأركان الحج وشروطه وتعلمها على التراخي كالحج وكالزكاة إن ملك مالا، ولو كان هناك ساع يكفيه الامر وأحكام البيع والقراض إن أراد أن يبيع ويتجر فيتعين على من يريد بيع الخبز أن يعلم أنه لا يجوز بيع خبر البر بالبر ولا بدقيقه، وعلى من يريد الصرف أن يعلم أنه لا يجوز بيع درهم بدرهمين ونحو ذلك. وأما أصول العقائد فالاعتقاد المستقيم مع التصميم على ما ورد به الكتاب والسنة ففرض عين وأما العلم المترجم بعلم الكلام فليس بفرض عين، وما كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يشتغلون به. قال الإمام: ولو كان الناس على ما كانوا عليه في صفوة الاسلام لما أوجبنا التشاغل به، وربما نهينا عنه، وأما الآن وقد ثارت البدعة ولا سبيل إلى تركها تلتطم فلا بد من إعداد ما يدعى به إلى المسلك الحق وتحل به الشبهة فصار الاشتغال بأدلة المعقول وحل الشبهة من فروض الكفايات، وما نص عليه الشافعي من تحريم الاشتغال به، وقال: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشئ من علم الكلام محمول على التوغل فيه. وأما تعلم علم الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر فحرام، والشعر مباح إن لم يكن فيه سخف أو حث على شر وإن حث على التغزل والبطالة كره. (و) من فروض الكفايات القيام (بعلوم الشرع كتفسير وحديث) وسبق معناهما في كتاب الوصايا (والفروع) الفقهية الزائدة على ما لا بد منه (بحيث يصلح للقضاء) والفتيا كما في المحرر لشدة الحاجة إلى ذلك. فإن احتيج في التعليم إلى جماعة لزمهم، ويجب لكل مسافة قصر مفت لئلا يحتاج إلى قطعها. وفرق بينه وبين قولهم، لا يجوز إخلاء مسافة العدوي عن قاض بكثرة الخصومات وتكررها في اليوم الواحد من كثيرين بخلاف الاستفتاء في الوقائع، ولو لم يفت المفتي وهناك من يفتي وهو عدل لم يأثم فلا يلزمه الافتاء. قال في الروضة:
وينبغي أن يكون المعلم كذلك اه‍. وفرق بين هذا وبين نظيره من أولياء النكاح والشهود بأن اللزوم هنا فيه حرج ومشقة بكثرة الوقائع بخلافه ثم قال في الروضة: ويستحب الرفق بالمتعلم والمستفتي، أما تعلم ما لا بد منه من الفروع ففرض عين كما مرت الإشارة إليه.
تنبيه: من فروض الكفاية علم الطب المحتاج إليه لمعالجة الأبدان والحساب المحتاج إليه لقسمة المواريث والوصايا والمعاملات وأصول الفقه والنحو واللغة والتصريف وأسماء الرواة والجرح والتعديل واختلاف العلماء واتفاقهم وأما المنطق. فقال الغزالي: إن من جهله لا وثوق بعلمه، وقال غيره: يحرم الاشتغال به، ومر الكلام على ذلك في
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548