مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٢٠٩
المهاجرين والقاعدين، ووعد كلا الحسنى، والعاصي لا يوعد بها، ولا يفاضل بين مأجور ومأزور، وأما قبل الهجرة فكان ممنوعا أول الاسلام من قتال الكفار مأمورا بالصبر على الأذى، وكذلك من تبعه بقوله تعالى * (لتبلون في أموالكم) * الآية. ثم هاجر إلى المدينة بعد ثلاث عشرة سنة من مبعثه، وقيل بعد عشرة في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، فأقام بها عشرا بالاجماع، ثم أمر به إذا ابتدئ به بقوله تعالى: * (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) * ثم أبيح له ابتداؤه في غير الأشهر الحرم بقوله تعالى * (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) * الآية. ثم أمر به من من غير تقييد بشرط ولا زمان بقوله تعالى * (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) *. وقد غزا (ص) سبعا وعشرين غزوة قاتل فيها في تسع سنين كما حكاه الماوردي ففي مسلم عن زيد بن أرقم: أنه (ص) غزا تسع عشرة، وبعث صلى الله عليه وسلم سرايا، ولم يتفق في كلها قتال، فلنذكر من غزواته صلى الله عليه وسلم أشهرها:
ففي السنة الأولى من هجرته لم يغز، وكانت غزوة بدر الكبرى في الثانية، وأحد، ثم بدر الصغرى، ثم بني النضير في الثالثة والخندق في الرابعة، وذات الرقاع، ثم دومة الجندل، وبني قريظة في الخامسة، والحديبية وبني المصطلق في السادسة، وخيبر في السابعة، ومؤتة، وذات السلاسل، وفتح مكة، وحنين، والطائف في الثامنة، وتبوك في التاسعة على خلاف في بعض ذلك، والأنبياء معصومون قبل النبوة من الكفر لما روي أنه (ص) قال: ما كفر بالله نبي قط وفي عصمتهم قبلها من المعاصي خلاف وهم معصومون بعدها من الكبائر ومن كل ما يزرى بالمروءة، وكذا من الصغائر ولو سهوا عند المحققين لكرامتهم على الله تعالى أن يصدر عنهم شئ منها وتأولوا الظواهر الواردة فيها وجوز الأكثرون صدورها عنهم سهوا إلا الدالة على الخسة: كسرقة لقمة. قال في الروضة: واختلفوا هل كان (ص) قبل النبوة يتعبد على دين إبراهيم أو نوح أو موسى أو عيسى أو لم يلتزم دين أحد منهم؟ والمختار أنه لا يجزم في ذلك بشئ لعدم الدليل انتهى. وصحح الواحدي الأول وعزى إلى الشافعي، واقتصر الرافعي على نقله عن صاحب البيان. وتوفي (ص) ضحى يوم الاثنين لاثني عشر خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة. (وقيل) كان الجهاد في عهده (ص) فرض (عين) لقوله تعالى * (انفروا خفافا وثقالا) * * (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) * وقائله قال: كان القاعدون حراسا للمدينة، وهو نوع من الجهاد، وأجاب الأول بأن الوعيد في الآية لمن عينه النبي صلى الله عليه وسلم لتعيين الإجابة. وقال السهيلي: كان فرض عين على الأنصار دون غيرهم لأنهم بايعوا عليه. قال شاعرهم:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا وقد يكون الجهاد في عهده (ص) فرض عين بأن أحاط عدو بالمسلمين كالأحزاب من الكفار الذين تحزبوا حول المدينة فإنه مقتض لتعين جهاد المسلمين لهم فصار لهم حالان، خلاف ما يوهمه قوله (وأما بعده) (ص) (فللكفار حالان: أحدهما يكونون ببلادهم) مستقرين بها غير قاصدين شيئا من بلاد المسلمين (ففرض كفاية) كما دل عليه سير الخلفاء الراشدين، وحكى القاضي عبد الوهاب فيه الاجماع، ولو فرض على الأعيان لتعطل المعاش (إذ فعله من فيهم كفاية سقط الحرج عن الباقين) لأن هذا شأن فروض الكفايات وتعبيره بالسقوط ظاهر في أن فرض الكفاية يتعلق بالجميع وهو الصحيح عند الأصوليين، وقوله: من فيهم كفاية يشمل من لم يكن من أهل فرض الجهاد وهو كذلك، فلو قام به مراهقون سقط الحرج عن أهل الفروض. قال في الروضة: وسقط فرض الكفاية مع الصغر والجنون والأنوثة، فإن تركه الجميع أثم كل من لا عذر له من الاعذار الآتي بيانها.
تنبيه: أقل الجهاد مرة في السنة كإحياء الكعبة، ولقوله تعالى (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) * قال مجاهد: نزلت في الجهاد ولفعله صلى الله عليه وسلم منذ أمر به، ولان الجزية تجب بدلا عنه وهي واجبة في كل سنة فكذا بدلها، ولأنه فرض يتكرر، وأقل ما وجب المتكرر في كل سنة كالزكاة والصوم، فإن زاد على مرة
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548