مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٩٣
لسلامة آدمي محترم إن لم يمكن دفع الغرق بغير إلقائه، فإن أمكن لم يجز إلقاؤه، والظاهر كما قال الأذرعي أنه لو كان هناك أسرى من الكفار وظهر للأمير أن المصلحة في قتلهم فيبدأ بإلقائهم قبل الأمتعة وقبل الحيوان المحترم، وينبغي كما قال أيضا أن يراعى في الالقاء الأخس فالأخس قيمة من المتاع والحيوان إن أمكن حفظا للمال ما أمكن، الثاني لا يجوز إلقاء الأرقاء لسلامة الأحرار بل حكمها واحد فيما ذكر، وإن لم يلق من لزمه الالقاء حتى غرقت السفينة فهلك به شئ أثم ولا ضمان عليه كما لو لم يطعم مالك الطعام المضطر حتى مات. الثالث لم يميز المصنف حالة الوجوب من حالة الجواز، وقوله لرجاء نجاة الراكب إن كان تعليلا للمسألتين فكيف تصلح هذه العبارة الواحدة للجواز تارة وللوجوب أخرى، وإن كان للوجوب فقط فكيف يستقيم الجواز بدون ذلك؟ والقياس الوجوب لرجاء نجاة الراكب مطلقا، لأن القاعدة الأصولية أن ما كان ممنوعا منه إذا جاز وجب. وقال البلقيني: والذي يقال في ذلك إن حصل هول خيف منه الهلاك مع غلبة السلامة جاز الالقاء لرجاء نجاة الراكب وإن غلب الهلاك مع ظن السلامة بالطرح وجب، ثم استشكل قولهم: إنه يطرح الأخف قيمة ومالا روح فيه لتخليص ذي الروح فإنه إن جعلت الخيرة في عين المطروح للملاح ونحوه فهو غير لائق ، وإن توقف على إذن صاحبه فقد لا يأذن فيحصل الضرر. ثم قال: إنه يحتاج إلى إذن المالك في حال الجواز دون الوجوب، فلو كانت لمحجور لم يجز إلقاؤها في محل الجواز ويجب في محل الوجوب. قال: ولو كانت مرهونة أو لمحجور عليه بفلس، أو لمكاتب، أو لعبد مأذون عليه ديون وجب إلقاؤها في محل الوجوب وامتنع في محل الجواز إلا باجتماع الراهن والمرتهن، أو السيد والمكاتب، أو السيد والمأذون والغرماء في الصورة المذكورة، وإن ألقى الولي في محل الجواز بعض أمتعة محجوره ليسلم به باقيها فقياس قول أبي عاصم العبادي فيما لو خاف الولي استيلاء غاصب على المال، فله أن يؤدي شيئا لتخليصه جوازه هنا، ويحرم على الشخص إلقاء المال ولو ماله بلا خوف، لأنه إضاعة مال. (فإن طرح مال غيره بلا إذن) منه ولو في حال الخوف (ضمنه) لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه من غير أن يلجئه إلى إتلافه فصار كما لو أكل المضطر طعام غيره بغير إذنه (وإلا) أي بأن طرحه بإذنه، أو ألقى مال نفسه، ولو اختص الخوف بغيره بأن كان بالشط أو بزورق (فلا) ضمان للاذن المبيح في الأولى ولا لقائه مال نفسه في الثانية، ويشترط مع الاذن أن لا يتعلق به حق الغير كما مر وفارقت هذه حينئذ مسألة المضطر إذا أطعمه مالك الطعام قهرا بأن المطعم ثم دافع للتلف لا محالة، بخلاف الملقى (ولو قال) شخص لآخر في سفينة (ألق متاعك) في البحر (وعلي ضمانه، أو على أني ضامن) له، أو على أن أضمنه فألقاه فيه (ضمنه) وإن لم يكن للملتمس فيها شئ ولم تحصل النجاة لأنه التمس إتلافا لغرض صحيح بعوض فيلزمه، كما إذا قال: أعتق عبدك وعلي كذا، أو طلق زوجتك، أو أطلق الأسير، أو اعف عن القصاص ولك علي كذا، أو على أن أعطيك كذا فأجاب سؤاله فيلزمه ما التزمه. فإن قيل: ينبغي أن لا يصح هذا الضمان، لأنه ضمان ما لم يجب. أجيب بأن هذا ليس على حقيقة الضمان المعروف وإن سمي به وإنما حقيقته الافتداء من الهلاك فهو كما لو قال: أطعم هذا الجائع ولك علي كذا.
تنبيه: قول البلقيني: لا بد أن يشير إلى ما يلقيه، أو يكون معلوما له وإلا فلا يضمن إلا ما يلقيه بحضرته ممنوع لأن هذه حالة ضرورة فلا يشترط فيها شئ من ذلك.
فرع: لو ألقى المتاع شخص أجنبي بعد الضمان لم يضمن المستدعي وكذا لو ألقته الريح، ولا بد في الضمان من استمراره على الالتزام فلو رجع قبل الالقاء لم يضمن (ولو اقتصر) الملتمس (على) قوله (ألق) متاعك في البحر فألقاه (فلا) ضمان (على المذهب) لعدم الالتزام، وفي وجه من الطريق الثاني فيه الضمان كقوله: أد ديني، فأداه فإنه يرجع عليه في الأصح، وفرق الأول بأنه بالقضاء برئ قطعا، والالقاء قد لا ينفعه.
تنبيه: هل يفترق الحال بين كون المأمور بإلقاء ماله أعجميا يعتقد وجوب طاعة أمره أو لا فرق؟ قال الأذرعي:
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548