مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٥٣٥
رضيا (والله أعلم) لأنه بيع دين بدين، وهو منهي عنه. ورد بأن النهي إنما هو في بيع الدين لغير من هو عليه، وهذا ليس كذلك مع أن بيع الدين لغير من هو عليه صحيح كما مر عن الروضة.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف إجراء التقاص في النقدين وغيرهما من المثليات، ولكن المذهب في أصل الروضة أن المثليات غير النقدين كالطعام والحبوب لا يقع التقاص فيها، وعلله الشيخ أبو حامد بأن ما عدا الأثمان تطلب فيه المعاينة اه‍. والوجه كما قال شيخنا تقيده في غيرهما من سائر المثليات بما إذا لم يحصل به عتق، ففي الام لو أحرق السيد لمكاتبه مائة صاع حنطة مثل حنطته والحنطة على المكاتب حالة كان تقاصا وإن كره سيده. وظاهر كلام المصنف إجراء التقاص سواء اتفق الدينان حلولا وأجلا أم لا، ولكن الذي رجحه في أصل الروضة أنهما لو تراضيا بجعل الحال تقاصا عن المؤجل لم يجزه كما في الحوالة، والوجه تقييده كما قال شيخنا بما إذا لم يحصل به عتق، ففي الام:
لو جنى السيد على مكاتبه وجب مثل النجوم وكانت مؤجلة ولم يكن تقاصا إلا إن شاء المكاتب دون سيده اه‍. وإذا جاز ذلك برضا المكاتب وحده فبرضاه مع السيد أولى. ولو كانا مؤجلين بأجل واحد فوجهان، أرجحهما عند الإمام التقاص، وعند البغوي المنع، وهو المعتمد كما اقتضاه كلام الشرح الصغير، وجزم به القاضي لانتفاء المطالبة، ولان أجل أحدهما قد يحل بموته قبل الآخر، فلا يجوز ذلك إلا بالتراضي. وهذا خاص بغير ما يؤدي إلى العتق، أما ما يؤدي إليه فيصح كما يؤخذ مما مر. والحاصل أن التقلص إنما يكون في النقدين فقط، بشرط أن يتحدا جنسا وصفة من صحة وتكسر وحلول وأجل، إلا إذا كان يؤدي إلى العتق. ويشترط أيضا كما قال الأسنوي أن يكون الدينان مستقرين، فإن كان سلمين فلا تقاص وإن تراضيا لامتناع الاعتياض عنهما، قاله القاضي والماوردي، ونص عليه الشافعي. وإذا منعنا التقاص في الدينين وهما نقدان من جنسين كدراهم ودنانير فالطريق في وصول كل منهما إلى حقه من غير أخذ من الجانبين أن يأخذا أحدهما ما على الآخر، ثم يجعل المأخوذ إن شاء عوضا عما عليه ويرده إليه، لأن دفع العوض عن الدراهم والدنانير جائز، ولا حاجة حينئذ إلى قبض العوض الآخر. أو هما عرضان من جنسين فليقبض كل منهما ما على الآخر، فإن قبض واحد منهما لم يجز رده عوضا عن الآخر، لأنه بيع عوض قبل القبض، وهو ممتنع إلا إن استحق ذلك العوض بقرض أو إتلاف. وإن كان أحدهما عرضا والآخر نقدا وقبض العوض مستحقه جاز له رده عوضا عن النقد المستحق عليه إن لم يكن دين سلم، لا إن قبض النقد مستحقه، فلا يجوز له رده عوضا عن العوض المستحق عليه إلا إن استحق العوض في قرض ونحوه من الاتلاف، أو كان ثمنا. وإذا امتنع كل من المتداينين من البداءة بالتسليم لما عليه حبسا حتى يسلما. قال الأذرعي: وقضيته أن السيد والمكاتب يحبسان إذا امتنعا من التسليم، وهو متأيد بقولهم: إن الكتابة جائزة من جهة العبد، وله ترك الأداء وإن قدر عليه. وأجيب بأنه إنما يتأيد بما ذكر لو لم يمتنعا من تعجيز المكاتب، أما لو امتنعا منه مع امتناعهما مما مر فلا، وعليه يحمل كلامهم. (فإن فسخها) أي الفاسدة (السيد فليشهد) بالفسخ احتياطا لا وجوبا كما قاله الماوردي خوف التجاحد والنزاع.
تنبيه: تخصيص السيد بذلك يفهم أن ذلك لا يجزئ في فسخ المكاتب، وليس مرادا، بل هو كالسيد في ذلك كما قاله الزركشي. (فلو أدى) العبد فيها (المال، فقال السيد) بعد ذلك: (كنت فسخت) الكتابة قبل أن يؤدي، (فأنكره) أي أنكر العبد أصل الفسخ أو كونه قبل الأداء، (صدق العبد) المنكر (بيمينه) لأن الأصل عدم الفسخ، وعلى السيد البينة. (والأصح بطلان) الكتابة (الفاسدة بجنون السيد وإغمائه، والحجر عليه) بسفه.
أما الفلس فلا تبطل به الفاسد، بل تباع في الدين، فإذا بيع بطلت. و (لا) تبطل بجنون (العبد) وإغمائه لأن الحظ في الكتابة له لا للسيد ولأنها تبرع فيؤثر فيه اختلاف عقل السيد دون عقل العبد. والثاني: بطلانها بجنونهما
(٥٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 530 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548