مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٩١
المسجد. وكذا إذا احتاج للجلوس فيه لعذر من مطر ونحوه، فإن جلس فيه مع الكراهة أو دونها منع الخصوم من الخوض فيه بالمخاصمة والمشاتمة ونحوهما، بل يقعدون خارجه وينصب من يدخل عليه خصمين خصمين. وإقامة الحدود فيه أشد كراهة كما نص عليه، وقيل: يحرم إقامتها فيه كما جزم به ابن الصباغ، وهو محمول على ما إذا خيف تلويث المسجد من دم ونحوه.
تنبيه: من الآداب أن يجلس على مرتفع كدكة ليسهل عليه النظر إلى الناس وعليهم المطالبة. وأن يتميز عن غيره بفراش ووسادة وإن كان مشهورا بالزهد والتواضع ليعرفه الناس وليكون أهيب للخصوم وأرفق به فلا يمل.
وأن يستقبل القبلة لأنها أشرف المجالس كما رواه الحاكم وصححه. وأن لا يتكئ بغير عذر. وأن يدعو عقب جلوسه بالتوفيق والتسديد، والأولى ما روته أم سلمة أن النبي (ص) كان إذا خرج من بيته قال: بسم الله، توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي قال في الأذكار: حديث صحيح رواه أبو داود، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، قال ابن وقاص: وسمعت أن الشعبي كان يقوله إذا خرج إلى مجلس القضاء ويزيد فيه: أو أعتدي أو يعتدى علي، اللهم أعني بالعلم وزيني بالحلم وألزمني التقوى حتى لا أنطق إلا بالحق ولا أقضي إلا بالعدل. وأن يأتي مجلس القضاء راكبا، ويستعمل ما جرت به العادة من العمامة والطيلسان.
ويندب أن يسلم على الناس يمينا وشمالا. (ويكره) له (أن يقضي في حال غضب وجوع وشبع مفرطين، و) في (كل حال يسوء خلقه فيه) كالمرض ومدافعة الأخبثين وشدة الحزن والسرور وغلبة النعاس، لخبر الصحيحين:
لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان رواه ابن ماجة بلفظ: لا يقضي وفي صحيح أبي عوانة: لا يقضي القاضي وهو غضبان مهموم ولا مصاب، ولا يقضي وهو جائع. وظاهر هذا أنه لا فرق بين المجتهد وغيره، وهو كذلك، وإن قال في المطلب: لو فرق بين ما للاجتهاد فيه مجال وغيره لم يبعد. ولا فرق بين أن يكون الغضب لله أو لغيره، وهو كذلك كما قال الأذرعي إنه هو الموافق لاطلاق الأحاديث وكلام الشافعي والجمهور، وإن استثنى الإمام والبغوي الغضب لله تعالى، لأن المقصود تشويش الفكر، وهو لا يختلف بذلك، نعم تنتفي الكراهة إذا دعت الحاجة إلى الحكم في الحال.
وقد يتعين الحكم على الفور في صور كثيرة، فإن قضى مع تغير خلقه نفذ قضاؤه لقصة الزبير المشهورة. ويكره أن يتخذ حاجبا حيث لا زحمة وقت الحكم لخبر: من ولي من أمور الناس شيئا فاحتجب حجبه الله يوم القيامة رواه أبو داود والحاكم وصحح إسناده. فإن لم يجلس للحاكم بأن كان في وقت خلواته أو كان ثم زحمة لم يكره نصبه، والبواب وهو من يقعد بالباب للاحراز، ويدخل على القاضي للاستئذان كالحاجب فيما ذكر. قال الماوردي: أما من وظيفته ترتيب الخصوم والاعلام بمنازل الناس، أي المسمى الآن بالنقيب، فلا بأس باتخاذه وصرح القاضي أبو الطيب وغيره باستحبابه. (ويندب) عند الاختلاف وجوه النظر وتعارض الأدلة في حكم، (أن يشاور الفقهاء) لقوله تعالى: * (وشاورهم في الامر) *. قال الحسن البصري: كان النبي (ص) مستغنيا عنها، ولكن أراد أن تصير سنة للحكام. أما الحكم المعلوم بنص أو إجماع أو قياس جلي فلا.
تنبيه: المراد بالفقهاء كما قاله جمع من الأصحاب الذين يقبل قولهم في الافتاء فيدخل الأعمى والعبد والمرأة، ويخرج الفاسق والجاهل. وقال القاضي حسين: لا يشاور من دونه في العلم على الأصح، قال: وإذا أشكل الحكم تكون المشاورة واجبة، وإلا فمستحبة اه‍. وقوله: لا يشاور من دونه فيه كما قال ابن شهبة نظر، فقد يكون عند المفضول في بعض المسائل ما ليس عند الفاضل، ويرده أيضا مشاورته (ص). (و) يندب (أن لا يشتري، و) لا (يبيع بنفسه) لئلا يشتغل قلبه عما هو بصدده، ولأنه قد يحابى فيميل قلبه إلى من يحابيه إذا وقع بينه وبين غيره حكومة، والمحاباة فيها رشوة أو هدية وهي محرمة.
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548