مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٥٥
لا قربة ولا مكره لخبر: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولا ممن لا ينفذ تصرفه فيما ينذره كنذر السفيه القرب المالية لعينيه كعتق هذا العبد، ويصح من المحجور عليه بسفه أو فلس في القرب البدنية ولا حجر عليهما في الذمة فيصح نذرهما المالي فيهما لأنهما إنما يؤديان بعد فك الحجر عنهما، ويصح نذر الرقيق المال في ذمته ولو بغير إذن سيده كما اقتضاه كلامهم. فإن قيل: ينبغي أن لا يصح كما قاله ابن الرفعة كما لا يصح ضمانه في ذمته بغير إذن سيده.
أجيب بأن المغلب في النذر حق الله تعالى إذ لا يصح إلا في قربة بخلاف الضمان والأصح انعقاد نذره الحج. قال ابن الرفعة: ويشبه أن غير الحج كذلك، وأما الصيغة فيشترط فيها لفظ يشعر بالتزام فلا ينعقد بالنية كسائر العقود وتنعقد بإشارة الأخرس المفهمة وينبغي كما قال شيخنا انعقاده بكناية الناطق مع النية. قال الأذرعي: وهو أولى بالانعقاد بها مع البيع. (وهو) أي النذر (ضربان) أحدهما (نذر لجاج) بفتح أوله بخطه، وهو التمادي في الخصومة، وسمي بذلك لوقوعه حال الغضب، ويقال له يمين اللجاج، والغضب ويمين الغلق ونذر الغلق بفتح الغين واللام، والمراد به ما خرج مخرج اليمين بأن يقصد الناذر منع نفسه أو غيرها من شئ أو يحث عليه أو يحقق خيرا أو غضبا بالتزام قربة (كان كلمته) أي زيدا مثلا، أو إن لم أكلمه، أو إن لم يكن الامر كما قلته (فلله علي) أو فعلي (عتق أو صوم) أو نحوه كصدقة وحج وصلاة (وفيه) عند وجود المعلق عليه (كفارة يمين) لقوله (ص): كفارة النذر كفارة يمين رواه مسلم. ولا كفارة في نذر التبرر قطعا فتعين أن يكون المراد به اللجاج وروى ذلك عن عمر وعائشة وابن عباس وابن عمر وحفصة وأم سلمة رضي الله عنهم (وفي قول) يجب على الناذر في (ما التزم) لقوله (ص) : من نذر وسمى فعليه ما سمى ولأنه التزم عبادة عند مقابلة شرط فتلزمه عند وجوده (وفي قول أيهما) أي الامرين (شاء) أي الناذر فيختار واحدا منهما من غير توقف على قوله اخترت، حتى لو اختار معينا منهما لم يتعين وله العدول إلى غيره (قلت) هذا (الثالث) كما قال الرافعي في الشرح (أظهر، ورجحه العراقيون) بل لم يورد أبو الطيب منهم غيره (والله أعلم) لأنه يشبه النذر من حيث أنه التزام قربة، واليمين من حيث المنع، ولا سبيل إلى الجمع بين موجبيهما ولا إلى تعطيلهما فوجب التخيير.
تنبيه: قضية قول المصنف فلله علي عتق أو صوم أن نذر اللجاج لا بد فيه من التزام قربة وبه صرح في المحرر، لكن الصحيح في أصل الروضة فيما لو قال: إن دخلت الدار فلله علي أن آكل الخبز في صور اللجاج، وأنه يلزمه كفارة يمين، لكن هنا إنما يلزمه كفارة يمين فقط، لأنه إنما يشبه اليمين لا النذر، لأن المعلق غير قربة، ومثل بالعتق والصوم ليفهم أنه لا فرق في الملتزم بين المالي والبدني، والعتق لا يحلف به إلا على وجه التعليق والالتزام كقوله:
إن فعلت كذا فعلي عتق فتجب الكفارة ويتخير بينها وبين ما التزمه، فلو قال: العتق يلزمني لا أفعل كذا ولم ينو التعليق لم يكن يمينا، فلو قال: إن فعلت كذا فعبدي حر ففعله عتق العبد قطعا، أو قال: والعتق أو والطلاق بالجر لا أفعل كذا لم تنعقد يمينه ولا حنث عليه إن فعله، وتعبيره بأو ليس بقيد بل لو عطف بالواو فقال: إن كلمته فلله علي صوم وعتق وحج وأوجبنا الكفارة فواحدة على المذهب، أو الوفاء بما التزمه لزمه الكل. (ولو قال: إن دخلت) الدار (فعلي كفارة يمين، أو) كفارة (نذر لزمته كفارة بالدخول) في الصورتين وهي كفارة يمين. أما الأولى فبالاتفاق تغليبا لحكم اليمين، وأما الثانية فلخبر مسلم السابق. واحترز بقوله فعلي كفارة يمين عما إذا قال فعلي يمين فإنه يكون لغوا على الأصح لأنه لم يأت بصيغة النذر ولا الحلف، وليست اليمين مما يلتزمه في الذمة.
تنبيه: قوله أو نذر معطوف على يمين كما قدرت كفارة في كلامه، ولا يصح أن يكون معطوفا على كفارة كما توهمه بعضهم، نبه عليه شيخنا في شرح منهجه، فإنه لو قال: فعلي نذر صح ويتخير بين قربة وكفارة يمين،
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548