مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٦٦
الحيوان لا يجزئ في الأضحية كالظبا لزمه التصدق به حيا، فإن ذبحه لم يجز إذ لا قربة في ذبحه لعدم إجزائه أضحية وغرم الأرش إن نقصت قيمته بالذبح وتصدق باللحم، وإن كان مما يجزئ في الأضحية لزمه ذبحه في أيام النحر وتفرقة لحمه على من ذكر. وتعبيره بالهدي قد يوهم اختصاص ذلك بالإبل والبقر والغنم وليس مرادا، فلو قال شيئا كما قدرته في كلامه كان أولى. وكان ينبغي التعبير بالحرم بدلا عن مكة ليستغني عما زدته في كلامه فإن حمله لا يتقيد بمكة بل يعم سائر الحرم. وقوله: حمله يفهم أنه فيما سهل نقله وهو كذلك، أما ما تعذر نقله مما أهداه كالدار أو تعسر كحجر الرحى فإنه يبيعه بنفسه وينقل ثمنه إلى الحرم من غير مراجعة حاكم ويتصدق به على مساكينه. وهل له إمساكه بقيمته أو لا فقد يرغب فيه بأكثر منها؟ وجهان: في الكفاية ينبغي الأول إلا أن يظهر راغب بالزيادة. وقوله: والتصدق به يقتضي الاكتفاء بكون ذلك الشئ مما يتصدق به وإن لم تصح هبته ولا هديته، فيدخل فيه ما لو نذر إهداء دهن نجس بناء على ما قاله المصنف: من أنه ينبغي أن يقطع بصحة التصدق به بعد حكايته عن القاضي أبي الطيب المنع من ذلك. ويدخل فيه أيضا جلد الميتة قبل الدباغ لكن قال البلقيني: الأرجح أنه يشترط فيه أن يكون مما يهدى لآدمي اه‍. وهذا أظهر.
ويستثنى من وجوب التصدق به ما لو عسر التصدق به حيث وجب التعميم به كاللؤلؤة والثوب فإنه يباع ويفرق ثمنه عليهم كما قاله الماوردي وإن كانت قيمته في الحرم ومحل النذر سواء تخير بين حمله وبيعه بالحرم وبين حمل ثمنه، أو في أحدهما أكثر تعين، وما لو نوى الناذر اختصاص الكعبة بالمنذور فإن كان شمعا أشعله فيها، أو دهنا أوقده في مصابيحها، أو طيبا طيبها به، أو متاعا لا يستعمل فيها باعه وصرف ثمنه في مصالحها. أما إذا قال لله علي أن أهدي ولم يسم شيئا أو إن أضحي فإنه يلزمه ما يجزئ في الأضحية حملا على معهود الشرع، فإن عين عن نذره بدنة أو بقرة شاة تعينت بشروط الأضحية. فلا يجزئ فصيل ولا عجل ولا سخلة. وإن تعيب الهدى المنذور أو المعين عن نذره تحت السكين عند الذبح لم يجز كالأضحية لأنه من ضمانه ما لم يذبح. وقيل يجزئ وجرى عليه ابن المقري لأن الهدي ما يهدى إلى الحرم. وبالوصول إليه حصل الاهداء، وعليه مؤنة نقل الهدي إلى الحرم لأنه محل الهدي، قال تعالى: * (حتى يبلغ الهدي محله) * فإن لم يكن له مال بيع بعضه لنقل الباقي كما في أصل الروضة ولزمه تفرقة لحمه فيه على مساكينه. وفي الإبانة أنه إن قال أهدي هذا فالمؤنة عليه وإن قال جعلته هديا فلا يباع منه شئ لأجل مؤنة النقل. ونسبه في البحر للقفال واستحسنه. قال الرافعي: لكن مقتضى جعله هديا أن يوصله كله الحرم فليلتزم مؤنته كما لو قال: أهدي اه‍. وهذا هو الظاهر، وعليه أيضا علف الحيوان كما صرح به الماوردي والقاضي الحسين، ولو نذر أن يهدي شاة مثلا ونوى ذات عيب أو سخلة أجزأه هذا المنوي لأنه الملتزم، ويؤخذ مما مر أنه يتصدق به حيا، فإن أخرج بدله تاما فهو أفضل.
تنبيه: قد علم مما مر أنه يمتنع إهداء ما ذكر إلى أغنياء الحرم. نعم لو نذر نحره لهم خاصة واقترن به نوع من القربة كأن تتأسى به الأغنياء لزمه كما قاله في البحر، ويسن لمن أهدى شيئا من البدن أو البقر أن يشعرها، أي يجرحها بشئ له حد حتى يسيل الدم، والأولى أن يكون في صفحة سنامها اليمنى، وأن يقلدها بعري القرب ونحوها من الخيوط المفتولة والجلود، ويقلد الغنم ولا يشعرها، والحكمة في ذلك الاعلام بأنه هدي فلا يتعرض له، فإن عطب منها شئ قبل المحل نحره وجوبا في المنذور، وندبا في غيره، وغمس المقلد به في دمه وضرب به صفحته، وخلى بينه وبين المساكين، ولا بد من الاذن في التطوع بخلاف المنذور، ولا يجوز له ولا لرفقته الاكل من المنذور، والمراد برفقته جميع القافلة كما قاله المصنف، فإن لم ينحره حتى مات مع تمكنه ضمنه بالأكثر من قيمته حينئذ ومن مثله، فإن لم يتمكن من الذبح حتى مات لم يضمنه، ولو نذر أن يضحي ببينة وقيدها بالإبل أو نواها أو أطلق تعينت البدنة من الإبل لأنها وإن أطلقت على البقر والغنم أيضا كما صححه في المجموع فهي في الإبل أكثر استعمالا، فإن عدمت وقد أطلق نذره فبقرة، فإن عدمت فسبع شياه كما نص عليه الشافعي، وإن كان ظاهر كلام الروضة أنه يتخير بين البقرة والسبع شياه، وإن عدمت وقد قيد نذره بها لفظا أو نية وجب عليه أن يشتري بقيمتها بقرة، ويفارق ذلك عدم اعتبار قيمتها حالة الاطلاق بل اللفظ عند الاطلاق ينصرف إلى معهود الشرع ومعهوده لا تقوم فيه فإن فضل من قيمته
(٣٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548