مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٥٦
ونص البويطي: يقتضي أنه لا يصح ولا يلزمه شئ، فلو كان ذلك في نذر التبرر كأن قال: إن شفي الله مريضي فعلي نذر، أو قال ابتداء: فلله علي نذر لزمه قربة من القرب والتعيين إليه كما ذكره البلقيني. (و) الضرب الثاني (نذر تبرر) وهو تفعل من البر، سمي بذلك لأن الناذر طلب به البر والتقرب إلى الله تعالى، وهو نوعان كما في المتن. أحدهما نذر المجازاة وهو المعلق بشئ (بأن يلتزم) الناذر (قربة إن حدثت) له (نعمة أو ذهبت) عنه (نقمة كإن شفي مريضي) أو ذهب عني كذا (فلله علي أو فعلي كذا) من عتق أو صوم أو نحوه (فيلزمه ذلك إذا حصل المعلق عليه) لقوله تعالى: * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) * وقد ذم الله أقواما عاهدوا ولم يوفوا فقال: * (ومنهم من عاهد الله) * الآية، وللحديث المار: من نذر أن يطيع الله فليطعه.
تنبيه: أطلق المصنف النعمة، وخصصها الشيخ أبو محمد بما يحصل على نذور، فلا يصح في النعم المعتادة كما لا يستحب سجود الشكر لها. قال الإمام: ووافقه طائفة من الأصحاب، لكن القاضي الحسين طرده في كل مباح وهو أفقه اه‍.
وخرج بالحدوث استمرار النعمة وهو قياس سجود الشكر كما قاله الزركشي، وهذا يؤيد ما قاله الشيخ أبو محمد. ويجوز تقديم المنذور على حصول المعلق عليه إن كان ماليا كما قالاه في الباب الثاني من أبواب الايمان، وإن كانا صححا عدم الجواز في باب تعجيل الزكاة.
فرع: لو نذر شيئا إن شفى الله مريضه فشفي، ثم شك هل نذر صدقة أو عتقا أو صلاة أو صوما؟ قال البغوي في فتاويه: يحتمل أن يقال عليه الاتيان بجميعها كمن نسي صلاة من الخمس، ويحتمل أن يقال: يجتهد بخلاف الصلاة لأنا تيقنا هناك وجوب الكل عليه فلا يسقط إلا باليقين، وهنا تيقنا أن الجميع لم يجب عليه إنما وجب شئ واحد، واشتبه فيجتهد كالأواني والقبلة اه‍. وهذا أوجه. ثم شرع في النوع الثاني من الضرب الثاني بقوله: (وإن لم يعلقه) الناذر (بشئ كلله) أي كقوله ابتداء الله (على صوم أو حج أو غير ذلك لزمه) ما التزمه (في الأظهر) لعموم الأدلة المتقدمة، والثاني لا لعدم العوض.
تنبيه: لو علق النذر بمشيئة الله تعالى أو مشيئة زيد لم يصح، وإن شاء زيد لعدم الجزم اللائق بالقرب. نعم إن قصد بمشيئة الله التبرك أو وقع حدوث مشيئة زيد نعمة مقصودة كقدوم زيد في قوله: إن قدم زيد فعلي كذا فالوجه الصحة كما صرح به الأذرعي في الأولى وشيخنا في الثانية.
فائدة: الصيغة إن احتملت نذر اللجاج ونذر التبرع رجع فيها إلى قصد الناذر، فالمرغوب فيه تبرر والمرغوب عنه لجاج، وضبطوا ذلك بأن الفعل إما طاعة أو معصية أو مباح والالتزام في كل منها تارة يتعلق بالاثبات وتارة بالنفي فالاثبات في الطاعة كقوله: إن صليت فعلي كذا يحتمل التبرر بأن يريد إن وفقني الله للصلاة فعلي كذا، واللجاج بأن يقال له: صل، فيقول: لا أصلي وإن صليت فعلي كذا، والنفي في الطاعة كقوله وقد منع من الصلاة: إن لم أصل فعلي كذا لا يتصور إلا لجاجا فإنه لا يبر في ترك الطاعة، والاثبات في المعصية كقوله وقد أمر بشرب الخمر: إن شربت الخمر فعلي كذا يتصور لجاجا فقط والنفي في المعصية كقوله: إن لم أشرب الخمر فعلي كذا يحتمل التبرر بأن يريد إن عصمني الله من الشرب فعلي كذا، واللجاج بأن يمنع من الشرب، فيقول: إن لم أشرب فعلي كذا يريد إن أعانني الله على كسر شهوتي فعلي كذا، وفي الاثبات كقوله: إن أكلت كذا فعلي كذا يريد إن يسر الله لي فعلي كذا.
واللجاج في النفي كقوله: وقد منع من أكل الخبز إن لم آكله فعلي كذا، وفي الاثبات كقوله وقد أمر بأكله: وإن أكلته فعلي كذا. ثم شرع في الركن الثالث وهو المنذور وبين حكمه بقوله: (ولا يصح نذر معصية) كالقتل والزنا وشرب الخمر لحديث: لا نذر في معصية الله تعالى رواه مسلم، ولخبر البخاري المار: من نذر أن يطيع الله فليطعه
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548