مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٠٥
تنبيه: محل الخلاف في غير المنصوب للجرح والتعديل، أما هو فليس للحاكم سؤاله عن السبب كما نقله الزركشي عن المطلب عن ابن الصباغ. وإنما لم يحتج في التعديل إلى بيان سبب العدالة، لأن أسبابها كثيرة غير منحصرة. ولا يجعل الجارح بذكر الزنا قاذفا وإن انفرد لأنه مسؤول في حقه فرض كفاية أو عين، بخلاف شهود الزنا إذا نقصوا عن الأربعة، فإنهم قذفة لأنهم مندوبون إلى الستر فهم مقصرون. ولو قال الشاهد: أنا مجروح قبل وإن لم يبين السبب كما قاله الهروي. وإنما يكون الجرح والتعديل عند القاضي أو من يعينه القاضي لذلك. (ويعتمد) الجارح (فيه) أي الجرح، (المعاينة) كأن رآه يزني، أو السماع كما ذكره في المحرر كما إذا سمعه يقذف إنسانا، أو يقر على نفسه بذلك، (أو الاستفاضة) عنه بين الناس بما يجرحه، أو التواتر كما فهم بالأولى، وكذا شهادة عدلين مثلا بشرطه لحصول العلم أو الظن بذلك. وفي اشتراط ذكر ما يعتمده من معاينة ونحوها وجهان، أحدهما وهو الأظهر:
نعم، فعلى هذا لا بد أن يقول رأيته يزني أو سمعته يقذف أو نحو ذلك. وثانيهما وهو الأقيس: لا. ذكره في الروضة وأصلها، ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة، وهو الظاهر في سائر الشهادات.
تنبيه: إذا لم يقبل الجرح يفيد التوقف عن الاحتجاج بالمجروح إلى أن يبحث عن ذلك الجرح، ذكره ابن الصلاح والمصنف في الرواية. قال ابن النقيب: ولا فرق بين الرواية والشهادة فيما يظهر. (ويقدم) الجرح، أي بينته (على) بينة (التعديل) سواء أكانت بينة الجارح أكثر أم لا لزيادة علمها، فإن بينة التعديل ثبت أمرها على ما ظهر من الأسباب الدالة على العدالة وخفي عليها ما اطلع عليه بينة الجارح من السبب التي جرحته به كما لو قامت بينة بالحق وبينة بالابراء. (فإن قال المعدل) بكسر الدال بخطه: (عرفت سبب الجرح وتاب منه وأصلح، قدم) قوله على قول الجارح، لأن معه حينئذ زيادة علم بجريان التوبة وصلاح الحال بعد وجود السبب الذي اعتمده الجارح.
تنبيه: هذه المسألة إحدى مسألتين تقدم فيهما بينة التعديل على الجرح. والثانية: لو جرح ببلد ثم انتقل لآخر فعدله اثنان قدم التعديل كما قاله صاحب البيان عن الأصحاب، قال في الذخائر: ولا يشترط اختلاف البلدين، بل لو كانا في بلد واختلف الزمان فكذلك اه‍. وحاصل الامر تقديم البينة التي معها زيادة علم من جرح أو تعديل. ولو عدل الشاهد في واقعة ثم شهد في أخرى وطال بينهما زمن استبعده القاضي باجتهاده طلب تعديله ثانيا، لأن طول الزمن يغير الأحوال بخلاف ما إذا لم يطل. ولو عدل في مال قليل هل يعمل بذلك التعديل المذكور في شهادته بالمال الكثير بناء على أن العدالة لا تتجزأ أو لا بناء على أنها تتجزأ؟ وجهان، قال ابن أبي الدم: المشهور من المذهب الأول، فمن قبل في درهم قبل في الألف، نقله عن الأذرعي وأقره. ولو عدل الشاهد عند القاضي في غير محل ولايته لم يعمل بشهادته إذا عاد إلى محل ولايته، إذ ليس هذا قضاء بعلم، بل ببينة فهو كما لو سمع البينة خارج ولايته. (والأصح أنه لا يكفي في التعديل قول) الخصم (المدعى عليه) وهو عارف بالتعديل أهل للاقرار بالحق المدعى به: (هو) أي الشاهد (عدل وقد غلط) على في شهادته، بل لا بد من البحث والتعديل لأن الاستزكاء حق لله تعالى، ولهذا لا يجوز الحكم بشهادة فاسق وإن رضي الخصم.
تنبيه: كلامه يقتضي أن مقابل الأصح الاكتفاء بذلك في التعديل، ولا قائل به، وإنما مقابله الاكتفاء به في الحكم على المدعى عليه بذلك، لأن الحق له وقد اعترف بعدالته. قال البلقيني: وقوله: وقد غلط لا يحتاج إليه، بل اعترافه بعدالته يقتضي جريان الوجهين وإن لم يقل غلط.
خاتمة: تقبل شهادة الحسبة في الجرح والتعديل كما سيأتي، لأن البحث عن حال الشهود ومنع الحكم بشهادة الفاسق حق لله تعالى. ويسن للقاضي قبل التزكية أن يفرق شهودا أرباب تهم أو توهم غلطهم لخفة عقل وجدها فيهم ويسأل كلا منهم عن زمان محل الشهادة عاما وشهرا ويوما أو غدوة أو عشية، وعمن كتب شهادته معه، وأنه كتب
(٤٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548