مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٤٣
النساء به، لكن تقبل شهادتهن بأن هذا اللبن من هذه المرأة، لأن الرجال لا يطلعون عليه غالبا. واحترز بقوله: تحت الثياب عما نقله في الروضة عن البغوي وأقره أن العيب في وجه الحرة وكفيها لا يثبت إلا برجلين، وفي وجه الأمة وما يبدو عند المهنة يثبت برجل وامرأتين، لأن المقصود منه المال. فإن قيل: هذا وما قبله إنما يأتيان على القول بحل النظر إلى ذلك، أما ما صححه الشيخان في الأولى والمصنف في الثانية من تحريم ذلك فتقبل النساء فيه مفردات. أجيب بأن الوجه والكفين يطلع عليهما الرجال غالبا وإن قلنا بحرمة نظر الأجنبي، لأن ذلك جائز لمحارمها وزوجها، ويجوز نظر الأجنبي لوجهها لتعليم ومعاملة وتحمل شهادة. وقد قال الولي العراقي: أطلق الماوردي نقل الاجماع على أن عيوب النساء في الوجه والكفين لا يقبل فيها إلا الرجال، ولم يفصل بين الأمة والحرة، وبه صرح القاضي حسين فيهما اه‍. أي فلا تقبل النساء الخلص في الأمة لما مر أنه يقبل فيها رجل وامرأتان لما مر. وقول المصنف: وما يختص بمعرفته النساء غالبا الخ يفهم أن الاقرار بما يختص بمعرفتهن لا يكفي فيه شهادة النسوة، وهو كذلك، لأن الرجال تسمعه غالبا كسائر الأقارير.
وقوله فيما سبق: وبأربع نسوة يقتضي أنه لا يثبت بشاهد ويمين، وهو كذلك كما صرح به الماوردي في الرضاع، قال الرافعي: وهو الموافق لاطلاق عامة الأصحاب. ولو اقتصر المصنف على أربع لعلم اختصاص ذلك بالنسوة، لأن التاء لا تثبت مع المعدود المؤنث. وأما الخنثى فيحتاط في أمره على المرجح فلا يراه بعد بلوغه رجال ولا نساء، وفي وجه يستصحب حكم الصغر عليه. ويشترط في الشاهد بالعيوب المعرفة بالطب كما حكاه الرافعي في التهذيب. ثم أشار المصنف لضابط يعرف به ما يثبت بشاهد ويمين وما لا يثبت بهما، فقال: (و) كل (ما لا يثبت) من الحقوق (برجل وامرأتين لا يثبت برجل ويمين) لأن الرجل والمرأتين أقوى، وإذا لم يثبت بالأقوى لا يثبت بما دونه. فإن قيل: يرد على المصنف اللوث في قتل عمد، فإنه يكفي فيه شاهد ويمين متعددة ولا يثبت برجل وامرأتين. أجيب بأنه أراد اليمين المتحدة لا المتعددة. (و) كل (ما ثبت بهم) أي برجل وامرأتين، وأتى بالضمير مذكرا تغليبا له على المؤنث، (ثبت برجل ويمين) لما رواه مسلم وغيره: أنه (ص) قضى بالشاهد واليمين، وروى البيهقي في خلافياته حديث:
أن النبي (ص) قضى بشاهد ويمين عن نيف وعشرين صحابيا، قال الزركشي وبه يندفع قول الحنفية أنه خبر واحد فلا ينسخ القرآن اه‍. والقضاء بالشاهد واليمين قال به جمهور العلماء سلفا وخلفا منهم الخلفاء الأربعة، وكتب به عمر بن عبد العزيز إلى عماله في جميع الأمصار، وهو مذهب الإمام مالك وأحمد، وخالف في ذلك أبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. (إلا عيوب النساء ونحوها) بنصب نحو بخطه عطفا على عيوب كرضاع، فإنها لا تثبت بشاهد ويمين، لأنها أمور خطرة بخلاف المال.
تنبيه: ينبغي كما قال الدميري تقييد إطلاقه بالحرة، أما الأمة فيثبت فيها بذلك قطعا لأنها مال، وبذلك جزم الماوردي وأورد على حصره الاستثناء فيما ذكره الترجمة في الدعوى بالمال أو الشهادة به فإنها تثبت برجل وامرأتين ولا مدخل للشاهد واليمين فيها لأن ذلك ليس بمال، وإنما هو إخبار عن معنى لفظ المدعي أو الشاهد. (ولا يثبت شئ) من الحقوق (بامرأتين ويمين) في المال جزما وفيما يقبل فيه النسوة منفردات في الأصح لعدم ورود وقيامهما مقام رجل في غير ذلك لوروده. ثم شرع في شرط مسألة الاكتفاء بشاهد ويمين بقوله: (وإنما يحلف المدعي) فيها (بعد شهادة شاهد، و) بعد (تعديله) لأنه إنما يتقوى جانبه حينئذ، واليمين أبدا في جانب القوي. وفارق عدم اشتراط تقدم شهادة الرجل على شهادة المرأتين بقيامهما مقام الرجل قطعا، ولا ترتيب بين الرجلين.
تنبيه: هل القضاء بالشاهد واليمين معا أو بالشاهد فقط واليمين مؤكدة أو بالعكس؟ أقوال أصحها أولها، وتظهر فائدة الخلاف فيما لو رجع الشاهد، فعلى الأول يغرم النصف، وعلى الثاني الكل، وعلى الثالث لا شئ عليه.
(٤٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548