وهو الغلبة دائر مع القوة والضعف لا مع العدد فيتعلق الحكم به، والخلاف جار في عكسه وهو فرار مائة من ضعفائنا عن مائة وتسعين من أبطالهم. ووقع في الروضة من ضعفائهم، ونسب لسبق القلم. قال الماوردي والروياني: تجوز الهزيمة من أكثر من المثلين وإن كان المسلمون فرسانا والكفار رجالة، ويحرم من المثلين وإن كانوا بالعكس.
قال في زيادة الروضة: وفيه نظر، ويمكن تخريجه على الوجهين السابقين: أي الضعفاء مع الابطال في أن الاعتبار بالمعنى أو بالعدد، وهذا هو الظاهر وإن قال البلقيني: ما صححه من إدارة الحال على المعنى مخالف لظواهر نصوص الشافعي التي احتج عليها بظاهر القرآن.
فرع: إذا زادت الكفار على الضعف ورجى الظفر بأن ظنناه إن ثبتنا استحب لنا الثبات، وإن غلب على ظننا الهلاك بلا نكاية وجب علينا الفرار، لقوله تعالى * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * أو بنكاية فيهم استحب لنا الفرار. (وتجوز) بلا ندب وكره (المبارزة) وهي ظهور اثنين من الصفين للقتال، من البروز وهو الظهور فهي مباحة لنا لأن عبد الله بن رواحة وابن عفراء رضي الله تعالى عنهم بارزوا يوم بدر ولم ينكر عليهم رسول الله (ص) (فإن طلبها كافر استحب الخروج إليه) أي لمبارزته لما في الترك من الضعف للمسلمين والتقوية للكافرين (وإنما تحسن). أي تندب المبارزة بشرطين: أحدهما كونها (ممن) أي شخص (جرب نفسه) بأن عرف منها القوة والجراءة، وإلا فتكره له ابتداء وإجابة (و) للشرط الثاني كونها (بإذن الإمام) أو أمير الجيش لأن للإمام نظرا في تعيين الابطال، فإن بارز بغير إذنه جاز مع الكراهة. قال الماوردي: ويعتبر في الاستحباب أن لا يدخل بقتله ضرر علينا بهزيمة تحصل لنا لكونه كبيرنا. قال البلقيني وغيره: وأن لا يكون عبدا ولا فرعا ولا مديونا مأذونا لهم في الجهاد من غير تصريح بالاذن في البراز وإلا فيكره لهم.
تنبيه: لو تبارز مسلم وكافر بشرط أن لا يعين المسلمون المسلم ولا الكافرون الكافر إلى انقضاء القتال، أو كان عدم الإعانة عادة فقتل الكافر المسلم أو ولى أحدهما منهزما أو أثخن الكافر جاز لنا قتله لأن الأمان كان إلى انقضاء الحرب وقد انقضى، وإن شرط أن لا نتعرض للثخن وجب الوفاء بالشرط، وإن شرط الأمان إلى دخوله الصف وجب الوفاء به، وإن فر المسلم عنه فتبعه ليقتله أو أثخنه الكافر منعناه من قتله وقتلنا الكافر وإن خالفنا شرط تمكينه من إثخانه لنقضه الأمان في الأولى، وانقضاء القتال في الثانية، فإن شرط له التمكين من قتله فهو شرط باطل لما فيه من الضرر، وهل يفسد أصل الأمان أو لا؟ وجهان: أوجههما الأول. فإن أعانه أصحابه قتلناهم وقتلناه أيضا إن لم يمنعهم.
أما إذا لم يشرط عدم الإعانة ولم تجربه عادة فيجوز قتله مطلقا، ويكره نقل رؤوس الكفار ونحوها من بلادهم إلى بلادنا، لما روى البيهقي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه أنكر على فاعله وقال: لم يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما روي من حمل رأس أبي جهل فقد تكلموا في ثبوته، وبتقدير ثبوته إنما حمل من موضع إلى موضع، لا من بلد إلى بلد وكأنهم فعلوه لينظر الناس إليه فيتحققوا موته. نعم إن كان في ذلك نكاية للكفار لم يكره كما قاله الماوردي والغزالي، وإن قال الرافعي لم يتعرض له الجمهور. (ويجوز) لنا (إتلاف بنائهم) بالتخريب (وشجرهم) بالقطع وغيره، وكذا كل ما ليس بحيوان (لحاجة القتال والظفر بهم) لقوله تعالى * (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) * وسبب نزولها أنه (ص): أمر بقطع نخل بنى النضير فقال واحد من الحصن: إن هذا لفساد يا محمد، وإنك تنهى عن الفساد فنزلت رواه الشيخان من حديث ابن عمر، فإن توقف الظفر على إتلاف ذلك وجب كما قطع به الماوردي وغيره (وكذا) أيجوز إتلافها (إن لم يرج) أي يظن (حصولها) أي الأبنية والأشجار (لنا ) مغايظة لهم وتشديدا عليهم. قال تعالى * (ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار) * الآية، وقال تعالى: * (يخربون بيوتهم