مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٢٠
الساحر برءه من ذلك المرض واحتمل برؤه بأن مضت مدة يحتمل برؤه فيها صدق بيمينه، وإن قال: قتلت بسحري ولم يعين أحدا عزر لارتكابه محرما، ولا قصاص عليه ولا حد، لأن المستحق غير معين.
تنبيه: السحر لغة: صرف الشئ عن وجهه، يقال ما سحرك عن كذا: أي صرفك عنه. واصطلاحا مزاولة النفوس الخبيثة لافعال وأقوال يترتب عليها أمور خارقة للعادة، واختلف فيه هل هو تخييل أو حقيقة؟ قال بالأول المعتزلة، واستدلوا بقوله * (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) * وقال بالثاني أهل السنة، ويدل لذلك الكتاب والسنة الصحيحة، والساحر قد يأتي بفعل أو قول يتغير به حال المسحور فيمرض ويموت منه، وقد يكون ذلك بوصول شئ إلى بدنه من دخان أو غيره، وقد يكون دونه، ويفرق به بين الزوجين، ويكفر معتقد إباحته، فإن تعمده تعليما، أو تعلما، أو فعلا أثم فكل منها حرام لخوف الافتتان والاضرار بالناس خلافا لابن أبي هريرة في قوله:
يجوز تعلمه وتعليمه للوقوف عليه لا للعمل به بل إن احتيج فيها إلى تقديم اعتقاد مكفر كفر. قال إمام الحرمين: ولا يظهر السحر إلا على فاسق، ولا تظهر الكرامة على فاسق، وليس ذلك بمقتضى العقل بل مستفاد من إجماع الأمة . و (لا) يثبت السحر (ببينة) لأن الشاهد لا يعلم قصد الساحر ولا يشاهد تأثير سحره.
تنبيه: قد يفهم كلام المصنف أنه لا مدخل للبينة في ذلك أصلا. لكن في الكفاية أن ما ينشأ عن ذلك السحر يثبت بالبينة أيضا: كما لو قال سحرته بنوع كذا، فشهد عدلان كانا ساحرين ثم تابا بأن هذا النوع يقتل غالبا أو نادرا فيثبت بما يشهدان به.
فائدة: لم يبلغ أحد من السحر إلى الغاية التي وصل إليها القبط أيام دلوكا ملكة مصر بعد فرعون، فإنهم وضعوا السحر على البرابي وصوروا فيها صور عساكر الدنيا، أي عسكر قصدهم أتوا إلى ذلك العسكر المصور فما فعلوه به من قلع الأعين وقطع الأعضاء اتفق نظيره للعسكر العامد لهم فيخاف منهم العساكر، وأقاموا ستمائة سنة بمصر بعد غرق فرعون وجنوده تهابهم الملوك والامراء. قال الدميري: حكاه القرافي وغيره. وذهب قوم إلى أن الساحر يقلب بسحره الأعيان ويجعل الانسان حمارا بحسب قوة السحر. قال الدميري: وهذا واضح البطلان، لأنه لو قدر على هذا لقدر أن يرد بنفسه إلى الشباب بعد الهرم. وأن يمنع نفسه من الموت. ومن جملة أنواعه السيمياء وأما الكهانة والتنجيم والضرب بالرمل والحصى والشعير والشعبذة فحرام تعليما وتعلما وفعلا، وكذا إعطاء العوض أو أخذه عنها بالنص الصحيح في حلوان الكاهن، والباقي بمعناه والكاهن من يخبر بواسطة النجم عن المغيبات في المستقبل بخلاف العراف فإنه الذي يخبر عن المغيبات الواقعة كعين السارق ومكان المسروق والضالة. قال في الروضة: ولا يغتر بجهالة من يتعاطى الرمل وإن نسب إلى علم. وأما الحديث الصحيح: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك فمعناه من علمتم موافقته له فلا بأس، ونحن لا نعلم الموافقة فلا يجوز لنا ذلك.
فرع: لو اعترف شخص بقتله إنسانا بالعين فلا ضمان ولا كفارة، وإن كانت العين حقا لخبر مسلم: العين حق ، ولو كان شئ سابق القدر سبقته العين لأنها لا تفضي إلى القتل غالبا، ويسن للعائن أن يدعو للمعين - بفتح الميم - بالمأثور وهو: اللهم بارك فيه ولا تضره، وأن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. قال في الروضة: وأن يغسل داخل إزاره مما يلي الجلد بماء، وعبارة ابن المقري وأن يغسل جلده مما يلي إزاره بماء، ثم يصب على المعين. قيل: وينبغي للسلطان منع من عرف بذلك من مخالطة الناس ويأمره بلزوم بيته ويرزقه ما يكفيه إن كان فقيرا فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي منعه عمر رضي الله تعالى عنه من مخالطة الناس. وذكر القاضي حسين أن نبيا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام استكثر قومه ذات يوم فأمات الله منهم مائة ألف في ليلة واحدة، فلما أصبح شكا إلى الله تعالى ذلك فقال الله تعالى: إنك استكثرتهم فأعنتهم، فهلا حصنتهم حين استكثرتهم، فقال: يا رب كيف أحصنهم؟ فقال تعالى تقول:
حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنكم السوء بألف لا حول ولا قوة إلا بالله. قال القاضي: وهكذا
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548