قلت: ويرد عليه وعلى البيهقي قول الشافعي المنقول عن " التهذيب "، فإنه صريح بأنه رضي الله عنه لا يرى مشروعية الخط إلا أن يثبت الحديث، وهذا يدل على أحد أمرين:
إما أنه يرى أن الحديث ليس في فضائل الأعمال بل في الأحكام، وهذا هو الظاهر من كلامه.
وإما أنه لا يرى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وهذا هو الحق الذي لا شك فيه، وقد بينت ذلك في " المقدمة ".
قوله في تحريم المرور بين يدي المصلي وسترته: " وعن زيد بن خالد أن النبي (ص) قال: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، كان لأن يقوم أربعين خريفا خير له من أن يمر بين يديه. رواه البزار بسند صحيح ".
قلت: كلا، ليس بصحيح، لأن شروط الصحة لم تكتمل فيه، فإن منها السلامة من الشذوذ، ولم يسلم، بل أخطأ أحد رواته، وهو ابن عيينة في موضعين الأول: جعل الحديث من مسند زيد بن خالد، والصواب أنه من مسند أبي جهيم كما في رواية الجماعة المذكورة في الكتاب قبل هذا، وفيها التصريح بأن زيد بن خالد أرسل إلى أبي جهيم يسأله عن هذا الحديث، فزيد سائل فيه، وليس براو له.
الثاني: قوله: " أربعين خريفا "، فهذه الزيادة: " خريفا " خطأ من ابن عيية، فإنه رواه عن أبي النضر عن بسر بن سعيد، وخالفه مالك وسفيان الثوري فقالا:
قال أبو النضر: " لا أدري أقال: أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة؟ ". وهو رواية الجماعة، وهو رواية أحمد عن ابن عيينة أيضا، فهي تقوي خطأ رواية البزار عنه.