والآخر: أن القول السنية فقط فيه إهدار للأوامر الكثيرة التي جاءت عنه (ص) في هذه الصلاة دون أي صارف لها عن دلالتها الأصلية، ألا وهو الوجوب. ومال إلى هذا الشوكاني في " السيل الجرار " (1 / 323)، وأقره صديق خان في " الروضة الندية "، وهو الحق إن شاء الله تعالى. والعجب من ابن حزم أنه لم يتعرض في كتابه " المحلى " لبيان حكم هذه الصلاة العظيمة، وإنما تكلم فقط عن كيفية صلاتها بتفصيل بالغ، ولعله جاء فيه بما لم يسبق إليه، فشغله ذلك عن بيان مذهب في حكمها.
قوله: " وذهب أبو حنيفة إلى أن صلاة الكسوف ركعتان على هيئة صلاة العيد والجمعة، لحديث النعمان بن بشير قال: صلى بنا رسول الله (ص) في الكسوف نحو صلاتكم، يركع ويسجد ركعتين ركعتين، ويسأل الله حتى تجلت الشمس. وفي حديث قبيصة الهلالي أن النبي (ص) قال: " إذا رأيتم ذلك فصلوها كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة ". رواه أحمد والنسائي ".
قلت: هذا المذهب غير صحيح، لأن الحديث ليس بصحيح، فإنه مضطرب كما يأتي، ومخالف للأحاديث الصحيحة الواردة في الباب، وقد ذكر المؤلف منها اثنين، فلا يلتفت إلى ما يعارضهما.
وقد حققت القول في ذلك في كتاب " كيف صلى رسول الله (ص) صلاة الكسوف " ألفته منذ سنين، وقد جمعت فيه جميع أحاديث الكسوف التي وقفت عليها، وتتبعت طرقها وألفاظها، وبينت ما يصح منها وما لا يصح، ثم ختمته بأن ذكرت خلاصة ما صح منها ممزوجا بعضها ببعض على نسق كتابي " صفة صلاة النبي (ص) من التكبير إلى التسليم "، يسر الله لي تبييضه وطباعته.
وقد حققت في جملة ما حققت فيه أن حديث النعمان وقبيصة هما حديث