النهاية كتاب الديون والكفالات والحوالات والوكالات باب كراهية الدين وكراهية النزول على الغريم:
يكره للإنسان الدين إلا عند الضرورة الداعية إليه، فأما مع الاختيار فلا ينبغي أن يستدين فإن فعل فلا يفعل إلا إذا كان له ما يرجع إليه، فيقضي به دينه، فإن لم يكن له ما يرجع إليه وكان له ولي يعلم أنه إن مات قضى عنه قام ذلك مقام ما يملك، فإذا خلا من الوجهين فلا يتعرض له على حال وعند الضرورة أيضا لا يستدين إلا مقدار حاجته إليه من نفقته ونفقة عياله، وقد روي: جواز الاستدانة إذا صرف ذلك في الحج ونفقته، وذلك محمول على أنه إذا كان له ما يرجع إليه فأما إذا لم يكن له ذلك فلم يكن الحج واجبا عليه، فكيف يجوز أن يجب عليه أن يستدين ويقضي ما لم يجب عليه؟
ومن اضطر إلى دين ولا يملك شيئا يرجع إليه وكان ممن يجد الصدقة فالأفضل له أن يقبل الصدقة ولا يتعرض للدين لأن الصدقة حق جعلها الله له في الأموال، ومن كان عليه دين لا ينوي قضاءه كان بمنزلة السارق، وإذا كان عازما على قضائه ساعيا في ذلك كان له بذلك أجر كبير وثواب جزيل، ويعينه الله تعالى على ذلك، ومن كان له على غيره دين كره له النزول عليه فإن نزل فلا يكون ذلك أكثر من ثلاثة أيام، ومتى أهدي له المدين شيئا لم يكن قد جرت به عادته وإنما فعله لمكان الدين استحب له أن يحتسبه من الدين وليس ذلك بواجب، وإذا رأى صاحب الدين في الحرم لم يجز له مطالبته فيه ولا ملازمته بل ينبغي له أن يتركه حتى يخرج من الحرم ثم يطالبه كيف شاء، ومن كان عليه دين وجب عليه السعي في