وإذا أقرض انسان مالا فرد المستقرض عليه أجود منه من غير شرط لم يكن به بأس، وكذلك إن رد عليه زيادة على ما أخذ من غير شرط، لقوله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها.
باب قضاء الدين عن الميت:
قال الله تعالى: من بعد وصية يوصي بها أو دين.
يجب أن يقضي الدين عن الميت من أصل تركته وهو أول ما يبدأ به بعد الكفن ثم تليه الوصية، فإن قيل: لم قدمت الوصية على الدين في الآية والدين مقدم عليها في الشريعة؟
قلنا: لما كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض كان اخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم فكان أداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه فلذلك قدمت على الدين بعثا على وجوبها والمسارعة إلى اخراجها بعد الدين.
وقضاء الدين عند حلول الأجل إنما يجب مع المطالبة، فمن مات وعليه دين مؤجل حل أحل أجل ما عليه ولزم ورثته الخروج عما كان عليه من ماله وتركته، وكذلك إن كان له دين مؤجل حل أجل ماله وجاز للورثة المطالبة به في الحال.
ومطل الدين ودفعه مع القدرة ظلم، فمن عليه دين لا ينوي قضاءه كان بمنزلة السارق وإذا كان عازما على قضائه أعانه الله عليه وكان له بذلك أجر كبير، فإن حضرته الوفاة أوصى إلى من يثق به أن يقضي عنه.
وإنما قدم الله الوصية على الدين في القرآن في الآيتين في سورة النساء مع وجوب البدأة بالدين ثم بالوصية على ما أمر به على لسان رسوله، لأن أولا توجب الترتيب لأنه لأحد الشيئين، فكأنه قال: من بعد أحد هذين مفردا أو مضموما إلى الآخر، ولأن وجوب رد الدين يعلم عقلا فقدم الله في اللفظ الوصية عليه إشعارا بأنه أيضا واجب وإن كان اخراج الدين من أصل التركة وإخراج الوصية من ثلثها، على أن الوصية أعم من الدين فحسن تقديمها لفظا، فإن الدين يدخل فيها فالمحتضر يوصي بدينه، والغالب من أحوال من يحضره الموت الوصية، والدين لا يكون إلا نادرا.