الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣١٠
وأما إذا دخل وقت الصلاة وفيه مهلة بعد، فلا خلاف بين أحد من المسلمين في جواز التطوع حينئذ، وبهذا جاءت النصوص، وأما من سافر في رمضان، أو مرض فهو غير مأمور بصيامه لرمضان، وغير منهي عن صيامه لغير رمضان، فله أن يصومه لما شاء من نذر، أو تطوع أو قضاء واجب، وأما من عليه صلوات نسيها أو نام عنها، وعليه قضاء رمضان سافر فيه أو مرض فأفطر، فإن وقت هذه الصلوات وقت قضاء هذا الصوم ممتدا أبدا، فإن أخر قضاء ذلك وهو قادر غير معذور فهو عاص بالتأخير فقط، وذلك لا يسقط عنه قضاء ما لزمه قضاؤه من ذلك، فهذا والصلاة التي دخل وقتها سواء، فإن تطوع بصلاته أو صيام لم يضع له ذلك عند الله تعالى، لان وقت ما لزمه ممتد بعد فلا يفوته. وبالله تعالى التوفيق، ومما يبين هذا حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كانت تكون على الأيام من قضاء رمضان، يعني من قضاء أيام حيضها، ولا أستطيع أن أقضيها إلا في شعبان، لشغلي برسول الله صلى الله عليه وسلم أو كلاما هذا معناه.
قال علي: وهذا مما قد أيقنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه وأقر عليه، لأنه لا يجوز أن تحيض إلا وهو يعلم ذلك، لأنها كانت لها ليلتان من تسع، ولا يمكن أن يغفل عليه السلام أمرها بتعجيل القضاء لو كان الفرض لا يجزئ إلا بتعجيله، وقولها لا أستطيع، أوضح عذر، وهذا نص ما قلنا وبيانه.
ومما يبين صحة ما قلنا آنفا، من أن الزكاة وديون الناس وسائر فرائض الأموال إنما هي واجبة في ذمة المرء، لا في عين ما بيده من المال، أنه لو كانت واجبة في عين ما بيده من المال، ثم تلف ذلك المال لسقطت عنه تلك الحقوق، وهذا باطل، وأيضا فإنه مما لا يقوله مسلم، فلما لم تسقط الحقوق المذكورة بذهاب جميع عين المال، صح يقينا أنها في ذمته، وإنما يصير ما له لغيره بأحد وجوه أربعة أوجبها النص وهي: أداؤه من ماله، أو قبض من له حق حقه مما ظفر منه من ماله، أو قضاء الحاكم بما له للغرماء فيما لزمه من الحقوق، أو بموته فقط.
وكان يكفي من هذا الحديث الصحيح: عن النبي صلى الله عليه وسلم بأمره بإكفاء القدور وهي تفور باللحم الذي عجل أصحابه رضي الله عنهم، فذبحوا من
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»
الفهرست