الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٩٩
وهذا مع ما فيه من التحكم بلا دليل، ومن تكليف المرء علم متى يموت، فمخالف لجملة مذاهب أصحابه في الفسخ في تأخير الحج جملة، وهو ممن لا يخالفها أصلا، ولولا ذلك لشكرناه على خلافها ولم نلمه، وبالله تعالى التوفيق.
فبقي سؤال أبي بكر رحمة الله عليه بحسبه.
قال أبو محمد، ومما يبين أن الأوامر على الفور قوله تعالى: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم) * فأوجب تعالى قبول النذارة، وقال تعالى: * (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * فأمر تعالى بالتوقف في قبول خبر الفاسق واستثناه من قبول النذارة، وليس إلا توقف أو بدار، ولا سبيل إلى قسم ثالث إلا الترك جملة، والتوقف هو أيضا ترك، فلما خص خبر الفاسق بالتوقف فيه، وأبانه بذلك عن خبر غير الفاسق، وجب البدار ضرورة إلى خبر العدل، فوجب الفور بالبرهان الضروري، وبطل الوقف إلا في خبر الفاسق.
قال علي: ويكفي من ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف الرجل الصالح، قال: ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى البغدادي، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم بن الحجاج، ثنا عبد الله بن معاذ العنبري وقال: ثنا أبي، ثنا شعبة، عن الحكم، سمع علي بن الحسين عن ذكوان مولى عائشة أنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار؟ قال: أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى أشتريه، ثم أحل كما حلوا.
قال علي: فرفع هذا الحديث الشك جملة، وبين عليه السلام أن أمره كله على الفرض، وعلى الفور، وإن التردد حرام لا يحل، ونعوذ بالله العظيم من كل ما أغضب النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن اعترضوا بمن بلغه المنسوخ ولم يبلغه الناسخ، قلنا: هو بمنزلة من لم يبلغه الامر في أنه لم يلزم حكما فلا يلام على تركه حتى يبلغه، ولا يعذب على تركه حتى يعمله - وبالله تعالى التوفيق - بل حكمه الثبات على ما بلغه من المنسوخ، لأنه مأمور به جملة حتى يبلغه الناسخ، لقوله تعالى: * (لأنذر كم به ومن بلغ) * فصح أن
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»
الفهرست