الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٧٣
وأما نقل الامر عن الوجوب إلى الندب فإنه لا مدخل للعقل فيه، وإنما يؤخذ من نص آخر أو إجماع فقط، كما قلنا في قوله تعالى: * (إذا حللتم فاصطادوا) * أنه إباحة لما ذكرنا في ذلك للاجماع على ذلك، وقلنا في الوتر: إنه ندب لقول الله تعالى له ليلة أسري به: هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي ولأنه عليه السلام كان ينتقل على البعير، فإذا أراد الفريضة نزل وكان يوتر على البعير وأما النهي عن القران بين التمرتين في الاكل والاشهاد على التبايع وكتاب الديون، والانتشار بعد الصلاة للنوم والاكل وطلب الرزق، والاكل من الهدي والاطعام منه، ومن الأضحية والمكاتبة لمن طلبها ممن فيه خير من الرقيق، وإيتاؤهم من مالنا، ففرائض كلها، لأنه لا نص في إخراجها عن الوجوب، ولا إجماع، وأما أمره تعالى لأهل النار بالدخول فيها وأن يخسؤوا، وبصليها، فأمر اضطرار لا محيد لهم عنه، وأما أمره تعالى لأهل الجنة بالاكل وبالشرب وقبول النعيم فأمر إيجاب لا بد لهم من قبوله مختارين مغتبطين، كما تفعل الملائكة فيما يؤمرون به، وبالله تعالى التوفيق.
فصل في النص يخص بعضه هل الباقي على عمومه أم لا يحل على عمومه قال علي: وأما النص الذي يصح البرهان على أنه ليس على عمومه، فقد قال قوم الباقي على عمومه، وقال بعضهم - وهو عيسى بن أبان الحنفي قاضي البصرة -:
لا نأخذ منه إلا ما اتفق عليه.
قال علي: والصحيح من ذلك أنه كان من النصوص التي لو تركنا وظاهرها لم يفهم منه المراد - فإننا لا نأخذ منها إلا ما يبينه نص آخر أو إجماع، وذلك مثل:
أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأيضا فإن الله تعالى نص لنا على الصلاة والزكاة بالألف واللام، والألف واللام إنما يقعان على معهود، ولا يفهم من هذا الظاهر كيفية الصلاة والزكاة الواجبين علينا فوجب أن يطلب بيانهما من نصوص أخر أو إجماع، وقد أخبرنا تعالى أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، وليس في وسعنا
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»
الفهرست