الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٧٢
ذكرنا - واجب لأنه أخذ في كل ذلك بالظاهر الوارد وبالنص الزائد، فلم يخرج عن الظاهر في كل ذلك، ووجب إذا عدم دليل منها ألا ينقل شئ من الخطاب عن ظاهره في اللغة، وأما من خصص الظاهر أو العموم بقياس، أو بدليل خطاب، أو بقول صاحبه، فذلك باطل، وسنبين ذلك في الأبواب المذكورة إن شاء الله تعالى. وقد قال تعالى: * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * فلاح أن لا بيان إلا بنص أو بضرورة عقل كما قدمنا، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التالي علينا القرآن فهو المبين به، وهو الآمر لنا بالسنن المبينة علينا، وهو الآمر باتباع القرآن والسنن والاجماع، وهو عليه السلام الذي نص علينا في القرآن إيجاب استعمال العقل والحس.
وقد ذكرنا في باب الاخبار من هذا الكتاب كيف التخصيص بالآية للآي وللحديث، وبالحديث للآي وللحديث.
قال علي: ومن التخصيص بالاجماع قوله تعالى: * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * فلما أجمعت الأمة بلا خلاف أنهم إن بذلوا فلسا أو فلسين لم يجز بذلك حقن دمائهم، ولا خرجوا عن إيجاب قتلهم، وحتى لو كثر القائلون بذلك، واشتهر فضلهم ما وجب أن يعتد بهذا القول، لأنه لم يأت به قرآن ولا سنة، ولكن لما قال تعالى: * (حتى يعطوا الجزية) * بالألف واللام، وهما في اللغة التي بها نزل القرآن للعهد والتعريف - علمنا أنه أراد تعالى جزية معلومة معهودة، وبين ذلك بقوله تعالى: * (الجزية) * بالا لف واللام، والألف واللام في لغة العرب لا يقع إلا على معهود، وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بأخذ دينار من كل محتلم منهم ومحتلمة، علمنا أن ما دون الدينار ليس هو الجزية المحرمة لدمائهم وأموالهم، ولم يكن لأقصى الجزية وأكثرها حد يوقف عنده فيدعى فيه وجوبه بالاجماع، فإن يحيى بن آدم وعطاء بن رباح، وعمرو بن دينار، وسفيان الثوري، كلهم يقول: ليس لأكثر الجزية حد، وإنما هو ما ترضوا به، فلما كان اسم الجزية يقع على الدينار وجب قبوله ممن لا يقدر على أكثر منه، ولزم المصالحين ما صالحوا عنه وهو أكثر من الدينار، ووجب أن يفرض على من يطيق أكثر من دينار من أهل العنوة ما أطاق، ما لا يجحف به.
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»
الفهرست