الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٣٦
الاكل من الثمر ليس فرضا لقلنا إنه فرض. ولكن لما خرج عن أن يكون فرضا بدليل الاجماع، بقي الفعل المعطوف عليه على حكم الوجوب، وهو قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين *.
قال علي: وإنما آتينا بما يوافقنا عليه أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي، وإلا فقد تناقضوا في مثل هذا، إلا أن الحقيقة ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.
ومن ذلك أيضا، فانتبذوا ولا تشربوا مسكرا: وزوروها - يعني القبور - ولا تقولوا هجرا. الامر الأول ندب الاجماع والثاني فرض، وبالله تعالى التوفيق. وكذلك قوله: * (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) * كان السعي خاصا للرجال دون النساء، ولم يمنع ذلك الامر بترك البيع من أن يكون فرضا فرضا على ظاهره وعاما لكل أحد من رجل أو امرأة ووافقنا على ذلك أصحاب مالك، ومثل هذا كثير، وبالله تعالى التوفيق، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فصل فيه نبذ من تناقض القائلين بالوقف، وحملهم أوامر كثيرة على وجوبها وعن ظاهرها بغير قرينة ولا دليل، إلا مجرد الامر، وصيغة اللفظ فقط، وما تعدوا فيه طريق الحق، إلى أن أوجبوا فرائض لا دليل على إيجابها، يدل على كثير تناقضهم وفساد قولهم.
قال علي: إن القائلين بالوقف - من المالكيين والشافعيين والحنفيين - قد أوجبوا أحكاما كثيرة بأوامر وردت لا قرينة معها، فكان نقضا لمذهبهم في الوقف، وما قنعوا بذلك حتى أوجبوا فرائض بلا أوامر أصلا، فمن أعجب ممن لم يوجب بأمر الله تعالى إنفاذ ما أمر به، وأوجب أحكاما بغير أمر من الله تعالى، فمن ذلك أن المالكيين قالوا في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) * فأبطلوا البيع بمجرد هذا الامر، ولم يقنعوا بذلك حتى أبطلوا ما لم يبطل الله عز وجل من النكاح، والإجازة - تعديا لحدوده تعالى، وقد تعلل بعضهم في هذا بأن لفظة * (ذروا) * لا يقع إلا للفرض.
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»
الفهرست