الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٢٥
لكن أفضل الجهاد حج مبرور لكان الجهاد عليهن فرضا، ولكن بهذا الحديث علمنا أن الجهاد على النساء ندب لا فرض، لأنه عليه السلام لم ينهها عن ذلك، ولكن أخبرها أن الحج لهن أفضل منه، ومما يبين صحة قولنا أن عائشة - وهي حجة في اللغة - لما سمعت الامر بالجهاد قدرت أن النساء يدخلن في ذلك الوجوب حتى بين النبي صلى الله عليه وسلم لها أنه عليهم ندب لا فرض، وأن الحج لهن أفضل منه، ونحن لا ننكر صرف اللفظ عن موضوعه في اللغة، بدليل من نص أو إجماع، أو بضرورة طبيعة تدل على أنه مصروف عن موضوعه، وإنما يبطل دعوى من ادعى صرف اللفظ عن موضوعه في اللغة بلا دليل، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليها حملها الخطاب بلفظ خطاب الذكور على عموم دخول النساء في ذلك وفي هذا كفاية لمن عقل.
فإن قالوا: فأوجبوا عليهن النفار للتفقه في الدين، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قلنا، وبالله تعالى التوفيق: نعم هذا واجب عليهن كوجوبه على الرجال وفرض على كل امرأة النفقة في كل ما يخصها كما ذلك فرض على الرجال ففرض على ذات المال منهن معرفة أحكام الزكاة، وفرض عليهن كلهن معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصوم، وما يحل وما يحرم من المآكل والمشارب والملابس وغير ذلك كالرجال ولا فرق، ولو تفقهت امرأة في علوم الديانة للزمنا قبول نذارتها، وقد كان ذلك، فهؤلاء أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وصواحبه قد نقل عنهن أحكام الدين، وقامت الحجة بنقلهن، ولا خلاف بين أصحابنا وجميع أهل نحلتنا في ذلك، فمنهن سوى أزواجه عليه السلام: أم سليم، وأم حرام، وأم عطية، وأم كرز، وأم شريك، وأم الدرداء، وأم خالد، وأسماء بنت أبي بكر، وفاطمة بنت قيس، ويسرة، وغيرهن، ثم في التابعين عمرة، وأم الحسن، والرباب، وفاطمة بنت المنذر، وهند الفراسية، وحبيبة بنت ميسرة، وحفصة بنت سيرين، وغيرهن. ولا خلاف بين أحد من المسلمين قاطبة في أنهن مخاطبات بقوله تعالى: * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) و (من شهد منك الشهر فليصمه) و (وذروا ما بقى من الربا) و (حرمت عليكم الميتة والدم) و (الذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم) و (أشهدوا إذا تبايعتم) و (لله على الناس حج البيت) و (أفيضوا من حيث
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»
الفهرست