الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٢٦
أفاض الناس) و (هل أنتم منتهون) و (ابتلوا اليتامى حتى إذا بلغو النكاح) وسائر أوامر القرآن، وإنما في مسألة أو مسألتين تحكموا فيها وقلدوا، فاضطروا إلى مكابرة العيان، ودعوى خروج النساء من الخطاب بلا دليل، ثم رجعوا إلى عمومهن مع الرجال، بلا رقبة ولا حياء.
قال علي: وقد قال الله تعالى: * (وإنه لذكر لك ولقومك) *. وقال أيضا: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * فنادى عليه السلام بطون قريش بطنا بطنا ثم قال: يا صفية بنت عبد المطلب، يا فاطمة بنت محمد، فأدخل النساء مع الرجال في الخطاب الوارد كما نرى.
فإن قال قائل: فقد قال تعالى: * (لا يسخر قوم من قوم عس أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن) * وقال زهير:
وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء فالجواب وبالله تعالى التوفيق: إن اللفظ إذا جاء مرادا به بعض ما يقع تحته في اللغة وبين ذلك دليل فلسنا ننكره فقد قال تعلى: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم) * فلا خلاف بين لغوي وشرعي أن هذا الخطاب متوجه إلى كل آدمي من ذكر أو أنثى، ثم قال تعالى: * (فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) * فقام الدليل على أن المراد ههنا بعض الناس لا كلهم، فوجب الوقوف عند ذلك لقيام الدليل عليه، ولولا ذلك لما جاز أن يكون محمولا إلا على عموم الناس كلهم.
قال أبو محمد: وقد سأل عمرو بن العاص رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ فقال: عائشة قال: ومن الرجال؟ قال: أبوها ثناه عبد الله بن يوسف، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم بن الحجاج، أنبأ يحيى، ثنا خالد بن عبد الله، عن خالد - هو الحذاء - عن أبي عثمان - هو النهدي - قال أخبرني عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس باللغة التي بعث بها، فحمل اللفظ على عمومه في دخول النساء مع الرجال حتى أخبره السائل أنه أراد بعض من يقع عليه الاسم الذي خاطب به فقبل ذلك منه عليه السلام، وهذا هو نص مذهبنا، وهو أن نحمل
(٣٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 ... » »»
الفهرست