الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٢٤
فصل في ورود الامر بلفظ خطاب الذكور قال علي: اختلف الناس: فقالت طائفة: إذا ورد الامر بصورة خطاب الذكور، فهو على الذكور دون الإناث، إلا أن يقوم دليل على دخول الإناث فيه، واحتجوا بأن قالوا: إن لكل معنى لفظا يعبر عنه، فخطاب النساء افعلن، وخاطب الرجال: افعلوا، فلا سبيل إلى إيقاع لفظ على غير ما علق عليه إلا بدليل.
وذهبت طائفة أخرى إلى أن خطاب النساء والإناث لا يدخل فيه الذكور وأن خطاب الذكور يدخل فيه النساء والإناث إلا أن تأتى نص أو إجماع على إخراج النساء والإناث من ذلك قال علي: وبهذا نأخذ، وهو الذي لا يجوز غيره، والدليل الذي استدلت به الطائفة الأولى هو أعظم الحجة عليهم، وهو دليلنا على إبطال قولهم، لان لكل معنى لفظا يعبر به كما قالوا ولا بد، ولا خلاف بين أحد من العرب، ولا من حاملي لغتهم أولهم عن آخرهم، في أن الرجال والنساء، وأن الذكور والإناث إذا اجتمعوا وخوطبوا أخبر عنهم، أن الخطاب والخبر يردان بلفظ الخطاب، والخبر عن الذكور إذا انفردوا ولا فرق، وأن هذا أمر مطرد أبدا على حالة واحدة، فصح بذلك أنه ليس لخطاب الذكور - خاصة - لفظ مجرد في اللغة العربية غير اللفظ الجامع لهم وللإناث، ألا أن يأتي بيان زائد بأن المراد الذكور دون الإناث، فلما صح لم يجز حمل الخطاب على بعض ما يقتضيه دون بعض إلا بنص أو بإجماع، فلما كانت لفظة افعلوا والجمع بالواو والنون وجمع التكسير يقع على الذكور والإناث معا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثا إلى الرجال والنساء بعثا مستويا، وكان خطاب الله تعالى، وخطاب نبيه صلى الله عليه وسلم للرجال والنساء خطابا واحدا - لم يجز أن يخص بشئ من ذلك الرجال دون النساء إلا بنص جلي أو إجماع لان ذلك تخصيص الظاهر، وهذا غير جائز، وكل ما لزم القائلين بالخصوص فهو لازم لهؤلاء، وسيأتي ذلك مستوعبا في بابه إن شاء الله تعالى.
فإن قالوا: فأوجبوا الجهاد فرضا على النساء قيل لهم، وبالله تعالى التوفيق، لولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة - إذ استأذنته في الجهاد -
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»
الفهرست