الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣١٣
وإنما نقول ما قال لنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ونعلم ما علمناه ولا مزيد، وبالله التوفيق.
وأصحاب القياس يتناقضون في المسائل التي ذكرنا أقبح تناقض، فيجيزون قضاء الحج إذا وصى به، ولا يجيزون قضاء الصوم إذا أوصى به، ويجيزون تقديم الصلاة قبل وقتها للمريض إذا خشي على عقله، وفي ليلة المطر، ولا يقيسون على تقديم العتمة قبل ليلة المطر - تقديم العصر قبل وقتها يوم المطر ولا تقديم الظهر قبل وقتها.
فإن قالوا: الوقت مشترك بين العتمة والمغرب لزمهم أن يجيزوا تقديم العتمة إلى وقت المغرب لغير ضرورة، لأنه وقتها، ومن صلى الصلاة في وقتها فقد أحسن، ولزمهم تقديم العصر إلى الظهر بغير ضرورة لذلك أيضا، وقد قال بذلك ابن عباس وجماعة من السلف رضي الله عنهم، ولسنا نقول بذلك إلا في يوم عرفة فقط، لأنه لم يأت في ذلك نص غيره، فظهر عظم تناقضهم.
ولقد شاهدت بعض أهل مساجد الجانب الشرقي بقرطبة أيام تغلب البربر عليها، يستفتون شيوخ المالكيين في تعجيل العتمة قبل وقتها خوف القتل، إذ كان متلصصة البرابر يقفون لهم في الظلام في طرق المسجد، فربما أوذوا إيذاء شديدا - فما فسحوا لهم في ذلك، ولم يقيسوا ضرورة خوف الموت على ضرورة خوف بلل الثياب في الطين، وهذا كما ترى، وبالله تعالى التوفيق.
وقال قوم: إن العمل المأمور به في وقت محدود الطرفين هو في أول الوقت ندب وفي آخره فرض.
قال علي: وهذا خطأ فاحش لأنه لو كانت تأديته في أول الوقت ندبا لما أجزأه ذلك، لان الندب غير الفرض، ولا ينوب عمل عن عمل آخر غيره من غير نوعه إلا بنص، ولكن هذا بمنزلة الأشياء المخير فيها في الكفارات أيها أدى فهو فرضه، وكذلك من صلى أول الوقت فقد أدى فرضه، وإن صلى في وسطه فقد أدى فرضه، وإن صلى في آخره فقد أدى فرضه، فإن قال الآمرون من تعمد ترك صلاة حتى خرج وقتها بالقضاء: إنما فعلنا ذلك قياسا على قضاء الصلاة المنسية، والتي نيم عنها. قيل لهم، وبالله تعالى التوفيق: أكثركم لا يرى على الحالف على الحنث عمدا كفارة، ولا على القاتل عمدا كفارة، قياسا على المخطئ غير المعتمد، وهذا
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 ... » »»
الفهرست