الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣١٧
علينا أبدا، حتى يكون ما ذكرنا، وحسبنا أنه فرض على الكفاية، وتركه للمطبق مكروه ما لم يقو للعدو، أو لم يستنفر الامام، فأي ذلك كان، فالجهاد فرض على كل مطيق في ذات نفسه متعين عليه.
ويبطل قول من قال بالتكرار: أنه لو كان قوله صحيحا، للزم من سلم عليه أن يرد أبدا، ولا يمسك عن تكرار الرد، لقوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * ولا خلاف في أن بمرة واحدة يخرج من فرض الرد.
وأما الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمنكر الذي يرى غدا غير المنكر الذي يرى اليوم، وفرض علينا تغيير كل منكر، وكذلك القول في الامر بالمعروف، لان المعروف الذي يأمر به غدا غير الذي أمر به اليوم، وقد جاء النص مبينا بقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره ومما يبطل قول من قال بالتكرار قوله تعالى: * (فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) * وأمره تعالى بأداء الزكاة، وما أشبه ذلك، لا يلزم تكراره إلا ما جاء النص مبينا بإيجاب تكراره، وإلا فوفاء واحد يجزي، ودية واحدة، ورقبة واحدة.
قال علي: وقد احتج على القائلين بالتكرار بعض من سلف، ممن يقول بأنه يخرج المأمور بذلك بفعله مرة واحدة، بأن قال لما أجمع الناس على أن التكرار لا يلزم حتى يمتنع المرء من الاكل والنوم والنظر في أسبابه، فلما صح ذلك لم يكن من حد في ذلك حدا أولى ممن حد حدا آخر، فوجب أنه يخرج من المعصية بفعل ما أمر بفعله مرة، واحتجوا أيضا بقوله عليه السلام إذ سئل عن الحج أفي كل عام؟ فقال عليه السلام: دعوني ما تركتكم قالوا: فلو كان الامر يجب تكراره لما أنكر عليه السلام على السائل عن الحج أفي كل عام؟ لأنه كان يكون واضعا للسؤال موضعه، أو سائلا تخفيفا عما يقتضيه اللفظ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشي أن يكون سؤاله موجبا لنزول زيادة على ما اقتضاه لفظ الامر بالحج، فيدخل ذلك السائل في جملة من ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله أعظم الناس جرما في الاسلام من سأل عن أمر لم يحرم فحرم من أجل مسألته.
قال علي: وهذا احتجاج صحيح ظاهر.
قال علي: وقد تعلق بالتكرار من قال بإيجاب التيمم لكل صلاة.
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»
الفهرست