الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٥٩
الاحكام في أصول الاحكام للحافظ أبى محمد على بن حزم الأندلسي الظاهري هذا الكتاب النفيس، الذي لم تر العين مثيله في علم الأصول أحمد شاكر قوبلت على نسخة أشرف على طبعها الأستاذ العلامة أحمد شاكر رحمه الله الناشر زكريا على يوسف مطبعة العاصمة بالقاهرة - ت 23680 الجزء الثالث بسم الله الرحمن الرحيم الباب الثاني عشر في الأوامر والنواهي الواردة في القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم والاخذ بظاهرها وحملها على الوجوب والفور وبطلان قول من صرف شيئا من ذلك إلى التأويل أو التراخي أو الندب أو الوقف بلا برهان ولا دليل.
قال أبو محمد: الذي يفهم من الامر، أن الآمر أراد أن يكون ما أمر، وألزم المأمور ذلك الامر، وقال بعض الحنفيين، وبعض المالكيين، وبعض الشافعيين: إن أوامر القرآن والسنن ونواهيهما على الوقف حتى يقوم دليل على حملها، إما على وجوب في العمل أو في التحريم، وإما على ندب، وإما على إباحة، وإما على كراهة، وذهب قوم من الطوائف التي ذكرنا، وجميع أصحاب الظاهر إلى القول: بأن كل ذلك على الوجوب في التحريم أو الفعل حتى يقوم دليل على صرف شئ من ذلك إلى ندب، أو كراهة، أو إباحة فتصير إليه.
قال علي: وهذا هو الذي لا يجوز غيره، ونحن إن شاء الله تعالى ذاكرون ما اعترض به المخالفون، وبطلان شغبهم بالبراهين الصحيحة، ثم نذكر الأدلة على صحة ما ذهبنا إليه، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: فعمدة ما موهوا به أن قالوا: لو كان لفظ الامر موضوعا للايجاب لم يوجد أبدا إلا كذلك، لكن لما وجدنا بلا خلاف منكم لنا أوامر معناها الندب أو الإباحة، ووجدنا نواهي بلا خلاف منكم لنا معناها الكراهة، وجب أن لا نصرف الألفاظ إلى بعض ما تحتمله من المعاني دون بعض، إلا بدليل، قالوا:
وألفاظ الأوامر عندنا من الألفاظ المشتركة التي لا تختص بمعنى واحد، لكنها بمنزلة عير ورجل ولون وعين، فإن قولك: رجل ليس هو بأن يوقع على العضو، أولى منه بأن يوقع على جماعة الجراد، وقولك: عير ليس بأن يوقع
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»
الفهرست