الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٦٢
فلسنا نحاكرهم في لفظ النقل، وإنما نريد أن اللفظة كانت تقع في اللغة على معنى ما، فأوقعت أيضا على غير ذلك.
قال علي: ثم نقول لهم ما يلزمكم إن صححتم دليلكم الذي ذكرتم، أنكم قد وجدتم آيات كثيرة، وأحاديث كثيرة منسوخات لا يحل العمل بها، أن تتوقفوا في كل آية، وفي كل حديث، لاحتمال كل شئ منها في نفسه أن يكون منسوخا، كاحتمال كل أمر في نفسه أن يكون ندبا فإن التزمتم ذلك كفرتم، وخرجتم عن الاسلام، وإن أبيت التزامه أصبتم وكنتم قد أبطلتم دليلكم في أنه لما قد وجدت أوامر معناها الندب وجب التوقف عن جميع الأوامر حتى يصح أنها إما إيجاب أو ندب.
قال علي: وليس بين ما ألزمناهم من التوقف عن كل آية، وحديث من أجل وجودهم آيات منسوخة وأحاديث منسوخات، وبين ما التزموا من التوقف عن كل أمر من أجل وجودهم أوامر معناها الندب - فرق البتة، بل هو ذلك بعينه لسنا نقول: إن مثله بل نقول إن المعنى في ذلك واحد، وبيان ذلك: أن المنسوخ هو الذي لا يلزم أن يستعمل، أو يجوز أن يستعمل، والمندوب إليه هو الذي لا يلزم فرضا أن يستعمل أيضا، فقد اجتمعنا في سقوط وجوب الاستعمال اجتماعا مستويا، وإنما افترقا أن المندوب إليه مباح استعماله، والمنسوخ ليس مباحا استعماله في بعض الأحوال فقط، فبطل تمويههم - وبالله تعالى التوفيق - بإقرارهم أنه ليس من أجل وجودنا ألفاظا مصروفة عن مواضعها في اللغة، يجوز أن يتوقف في سائر الألفاظ خوف أن تكون مصروفة عن مواضعها، فقد بطل الاستدلال الذي أرادوا تحقيقه، وبالله تعالى التوفيق وأيضا فإن لفظة أو ولفظة إن شئت مفهوم منهما التخيير بلا خلاف منا ومنهم، ومن جميع أهل اللغة، وقد سمعناه تعالى يقول فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وسمعناه تعالى يقول: * (قل كونوا حجارة أو حديدا) * وجدنا الدليل البرهاني قد قام على خروج هاتين الآيتين عن التخيير إلى معنى آخر، فيلزم على دليلهم الفاسد ألا يحملوا لفظة أو ولا لفظة إن شئت أبدا على التخيير، لأنه يقال لهم كما قالوا: لو كانت لفظتا أو وإن شئت على التخيير لكانت متى وجدت لما تكن إلا للتخيير، فلما وجدت لغير التخيير في عدة مواضع بطل أن تكون للتخيير.
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»
الفهرست