الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٦٧
ونحن نقول قول إنصاف - إذ قد اقتدى ابن المنتاب بالقائلين إذ خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استمعوا إليه ثم قالوا لأهل العلم ماذا قال آنفا وتبر أنا نحن منهم ومن مثل سؤالهم واقتدينا نحن بالدين قالوا سمعنا وأطعنا فله ما اختار، وله إن شاء الله تعالى ما أعطى الله للذين اقتدى بهم، إذ قال عز وجل يعقب حكاية قولهم ما ذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ونحن راجون أن يعطنا الله بمنه وطوله ما أعطى من اقتدينا بهم في قولهم سمعنا وأطعنا إذ يقول تعالى إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقوله سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) * ونعم فليعلم الجاهل - المعترض بأقوال المنافقين المشركين على كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم - أن قول الذين قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا، لا معنى لسؤالهم هذا، ولا يعقل سؤالهم لأنه سؤال مجنون فاسد الدين ملعون وشغب بعهم بقول تعالى وإذا حللتم فاصطادوا وإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض قالوا: وهذا إباحة بلا شك، فقلنا: يجب عليكم إذا احتججتم بهذا أن تقولوا إن جميع الأوامر على الندب، حتى يقوم دليل على الوجوب وهذا ليس قولهم، وأما هاتان الآيتان فإنما خرجتا عن الوجوب إلى الإباحة ببرهان، أما التصيد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حل بالطواف بالبيت وانحدر إلى منى ولم يصطد، فصح أنه ليس فرضا بهذا النص الآخر، وأما: * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا) فان عبد الله بن ربيع قال: حدثنا عمر بن عبد الملك، حدثنا ابن الأعرابي، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا القعنبي، ثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث: اللهم اغفر له اللهم ارحمه.
قال أبو محمد: فندبنا إلى القعود في مصلانا بعد الصلاة، فصح بذلك أن الانتشار بعد الصلاة إباحة، فمن جاءنا في شئ من الأوامر ببرهان ينقله عن الفرض إلى الندب، وعن التحريم إلى الكراهية، صرنا إليه، وأما بالدعوة الكاذبة المحيلة للقرآن والسنن على موضوعها، فمعاذ الله من ذلك.
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»
الفهرست