الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣١٤
تناقض منكم، وحتى لو طردتم خطأكم لكان ذلك زيادة في الخطأ، لان القياس عن القائلين به إنما هو الحكم للشئ بحكم شئ آخر لعلة جامعة بينهما، ولا علة تجمع بين الناسي والعامد، وهذا هو قياس الشئ على ضده، لا على نظيره، وهذا خطأ عندكم وعند جميع الناس، وبالله تعالى التوفيق.
فصل في موافقة معنى الامر لمعنى النهي قال علي: النهي مطابق لمعنى الامر لان النهي أمر بالترك، وترك الشئ ضد فعله، وليس عن الشئ أمرا بخلافه الأخص، ولا بضده الأخص، وتفسير الضد الأخص أنه المضاد في النوع، وتفسير الضد الأعم أنه المضاد في الجنس، فإذا قلت للانسان لا تتحرك فقد ألزمته السكون ضرورة، لأنه لا واسطة بين الضد الأعم، وبين ضده، فمن خرج من أحدهما دخل في الآخر، وهذا الذي سميناه في كتاب التقريب المنافي، وأما من نهيته عن نوع من أنواع الحركة فليس ذلك أمرا بضده، مثال ذلك: لو قلت لآخر: لا تقم فإنك لم تأمره بالجلوس ولا بد، لان بين الجلوس والقيام وسائط من الاتكاء والركوع والسجود والانحناء والاضطجاع، فأيها فعل فليس عاصيا لك في نهيك إياه عن القيام وكذلك لو قيل لانسان: لا تلبس السواد فليس في ذلك إيجاب لباسه البياض ولا بد، بل إن لبس الحمرة والصفرة أو الخضرة، لم يكن بذلك عاصيا، بل يكون مؤتمرا في تركه السواد، وبالله تعالى التوفيق.
وأما الامر: فهو نهي عن فعل كل ما خالف العمل المأمور، وعن كل ضد له خاص أو عام، فإنك إذا أمرته بالقيام فقد نهيته عن القعود والاضطجاع والاتكاء والانحناء والسجود، وعن كل هيئة حاشا القيام، وإنما كان هكذا لان ترك أفعال كثيرة مختلفة في وقت واحد واجب موجود ضرورة، لان من قام فقد ترك كل فعل خالف القيام كما أخبرنا في حال قيامه.
وأما الاتيان بأفعال كثيرة في وقت واحد، وهي مختلفة متنافية ومتضادة، فمحال لا سبيل إليه ألا ترى من سافر فإنما يمشي إلى جهة واحدة وهو تارك لكل جهة غير التي توجه نحوها، ولا يمكنه أن يتوجه إلى جهتين في وقت واحد بفعله
(٣١٤)
مفاتيح البحث: النهي (3)، السجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 ... » »»
الفهرست