الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٠٩
الحس، وبديهة العقل، ومن خالف فيها فهو سوفسطائي، مكابر للعيان، وبالله التوفيق.
قال علي: وقد أشار قوم من إخواننا إلى أنه لا يقبل تطوع من عليه فرض.
قال علي: وهذا إذا أجمل دون تفسير أو خطأ، وذلك أن الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يجيز صلاة من لم يتم فرض صلاته بتطوع إن كان له وكذلك الزكاة، وكذلك سائر الأعمال.
قال علي: والصحيح في هذا الباب أن كل فرض تعين في وقت لا فسحة فيه، فإنه لا يجزي أحدا أداه غيره في ذلك الوقت، وذلك كإنسان أراد صيام نذر عليه، أو تطوع في شهر رمضان وهو مقيم صحيح، فهذا لا يجزيه، أو كإنسان لم يبق عليه من وقت الصلاة إلا مقدار ما يدخل فيها فقط، فهذا حرام عليه أن يتطوع أو يقضي صلاة عليه، أو يصلي صلاة نذر عليه، حتى تتم التي حضر وقتها بلا مهلة ولا فسحة، فإن قضى حينئذ صلاة فاتته لم تجزئه، وعليه قضاؤها ثانية، وكذلك إن صلى صلاة نذر عليه، وليس كذلك من لزمته زكاة، ولم يبق من ماله إلا قدر ما يؤدي ما وجب عليه منها فقط، إلا أن له غنى بعد ذلك، فهذا يجزئه أن يتصدق بما شاء منه تطوعا، وأن يؤدي منه نذرا، بخلاف ما ذكرنا قبل، لان الزكاة في ذمته، لا في عين ما بيده.
وكذلك من أحاطت بماله ديون الناس - حاشا بعد الموت - لان النص منع من ذلك، ولم يجعل وصية ولا ميراثا إلا بعد الدين. ولكن من حضره وقت الحج وهو مستطيع، فلا يجزئه أن يحج تطوعا ولا نذرا قبل أداء الفرض، وكذلك العمرة، لان النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد، فالمستطيع للحج مأمور بأدائه حينئذ، ومن حضر رمضان فهو مأمور بصيامه لرمضان، ومن لم يبق عليه من وقت صلاته إلا مقدار ما يدخل فيها فهو مأمور بالدخول فيها، فإذا فعل غير ما أمر به فهو رد بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس كذلك من لم يبق بيده من ماله إلا مقدار الزكاة، أو مقدار ديون الناس، لأنه ليس مأمورا بأداء ذلك مما بيده، ولا بد لأنه لو استقرض مالا فأدى منه الزكاة التي عليه، وديون الناس التي عليه أجزأه ذلك بلا خلاف، ولم يجز للقاضي أن يلزمه الأداء من ماله ولا بد، والصلاة والحج والصيام في أوقاتها بخلاف ذلك.
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»
الفهرست