الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٠٤
أحد هذين الوجهين. وبالله تعالى التوفيق، وليس في المذكور أنها أعطيت المساكين قبل يوم الفطر فبطل تشغيبهم به، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: فإذا كان حكم الأموال والعبادات ما ذكرنا، فلا خلاف في أن الوقت إنما معناه زمان العمل، وأنه لا يفهم من قول الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم: اعملوا عمل كذا في وقت كذا، وصلوا صلاة كذا من حين كذا إلى حين كذا - إلا أن هذا الزمان المحدود هو الذي أمرنا فيه بالعمل المذكور، فنقول حينئذ للمخالف: ما معنى خروج الوقت؟ فلا بد ضرورة من أنه انقضاء زمان العمل، فإذا ذهب زمان العمل، فلا سبيل إلى العمل، إذ لا يتشكل في العقول كون شئ في غير زمانه الذي جعله الله تعالى زمانا له، ولم يجعل له زمانا غيره، وهذا من أمحل المحال وأشد الامتناع الذي لا يدخل في الامكان البتة.
فإن قال قائل: كل وقت فهو لذلك العمل وقت. أبطل حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في حدهما الوقت، وتعدى حدودهما واستحق النار، وقد قال تعالى: * (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وتعدي الحدود على الحقوق، هو أن يحد الله تعالى وقتا فيتعداه مخلوق من الناس - دون نص ورد - إلى وقت آخر، وهذا غاية البيان وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا فإنهم لا يقدمون على إطلاق تمادي الوقت بعد خروج الوقت المنصوص.
ويقال لهم أيضا: أخبرونا عن هذا الذي تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فأمرتموه بإعادتها، أفي الوقت الذي رتبه الله تعالى أمرتموه بها؟ أم في وقت لم يرتبه الله تعالى لها وقرنها به؟ فإن قالوا في وقتها الذي رتبه الله تعالى لها، كفروا وكذبوا مجاهرة، وإن قالوا: بل في وقتها، أقروا بأنهم أمروا أن تؤدى الصلاة بخلاف ما أمر الله تعالى، ومن فعل شيئا بخلاف ما أمر الله تعالى به، فلم يفعل الذي أمر، بل فعل ما لم يؤمر به، فهو عاص في ذلك الفعل مرة ثانية، وإنما يأمرونه بمعصية وبأمر غير مقبول لقوله عليه السلام: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد فصح لما ذكرنا - صحة جلية - أن من أمره الله تعالى بأداء عمل ما، في وقت ما، فعمله في غير ذلك الوقت، فإنما عمل عملا لم يؤمر به،
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»
الفهرست