الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٠٠
الذي بلغه من أمر الله تعالى في القرآن أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو اللازم، لقوله عز وجل: * (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * حتى يبلغه الامر الناسخ، فحينئذ يسقط عنه المنسوخ ويلزمه الناسخ.
وأما احتجاجهم بتأخيره عليه السلام الحج، فقد حج عليه السلام قبل الهجرة، ورآه جبير بن مطعم واقفا بعرفة، فأنكر جبير ذلك، لأنه كان عليه السلام من الخمس الذين لا يقفون بعرفة، ويكفي من هذا كله أنا على يقين من أن الله تعالى أمره بتأخير الحج، حتى يعهد إلى المشركين ألا يقربوا المسجد الحرام، وإنما قطعنا على ذلك لقول الله تعالى آمرا أن يقول: * (ان اتبع الا ما يوحى إلى فصح يقنا انه عليه السلام لا يفعل إلا ما يوحي إليه ربه عز وجل، فلما أخر الحج علمنا أنه فعل ذلك عليه السلام بوحي، وكان عليه السلام قد أعلمه ربه تعالى أنه لا يقبضه حتى يتم التعليم، ويكمل التبليغ، ويدخل الناس في دين الله أفواجا، وهذا يقتضي أنه لا يموت حتى يعلم الناس مناسكهم، وليس غيره عليه السلام كذلك.
وأيضا فلا ندري متى نزل فرض الحج عليه لعله إنما نزل عليه إذ حج عليه السلام حجة الوداع، وهذا هو الأظهر، لأنه لو نزل قبل ذلك لما آخر عليه السلام تعليم المناسك إلى حجة الوداع التي قال فيها: خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا أو كما قال عليه السلام، ويبين ذلك الحديث الطويل عن جابر، ففي أوله: ثم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج، فلو فرض الحج قبل ذلك لما أخر الاذان في الناس بوجوبه عليهم.
والحديث المأثور من طريق ابن عباس وأبي هريرة إذ خطب الناس فقال:
إن الله فرض عليكم الحج فقال له قائل: - وقيل إنه الأقرع بن حابس - أفي كل عام يا رسول الله؟ وهذا والله أعلم إنما كان في حجة الوداع.
وقد أخبرت عائشة رضي الله عنها بما يدل على ذلك من خروجهم إلى الحج في ذلك العام، ينتظرون أمره عليه السلام، والوحي ينزل عليه، والاحكام التي نزلت في تلك الحجة من نسخ الحج لمن لم يسق الهدي، وأن يحل بمتعة، ومن
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»
الفهرست